”بوليتيكو”: نهج ستارمر الحذر تجاه غزة يُبقيه معزولًا داخل حزبه


كشفت مجلة "بوليتيكو" الأوروبية، في آخر عدد لها، أن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يواجه عزلة متزايدة داخل حزب العمال بسبب تمسكه بموقف حذر تجاه الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، في وقت يخشى فيه نواب حزبه أن يؤدي هذا التردد إلى ضرر دائم بصورة الحزب لدى الناخبين.
وذكرت المجلة، في سياق تقرير، أن ستارمر، الذي يرفض ما يسميه "سياسة الاستعراض"، يؤكد أنه يدعم الاعتراف من حيث المبدأ، لكنه يرى أن التوقيت لم يحن بعد وأن هذه الخطوة يجب أن تكون جزءًا من عملية سلام أوسع.
غير أن هذا الموقف بات - حسبما أبرزت المجلة - تحت ضغط متزايد مع تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، في وقت دفع فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الجدل خطوة إلى الأمام بإعلانه عزمه الاعتراف بالدولة الفلسطينية في سبتمبر المقبل.
وأضافت المجلة، أن هذا النهج الحذر قد يُبقي ستارمر في مواجهة انقسامات داخلية وضغوط شعبية ودولية متزايدة، مع تزايد المخاوف من فقدان ثقة شرائح واسعة من الناخبين البريطانيين الذين يطالبون بموقف أكثر وضوحًا تجاه القضية الفلسطينية.
وبالفعل، حثّ عدد متزايد من وزراء ستارمر على إعادة النظر في موقفه، بينما وقّع 221 نائبًا من مختلف الأطياف رسالةً بالمثل الأسبوع الماضي.. ومع ذلك، لم يتعجّل رئيس الوزراء القيام بذلك، بل أعلن أنه يعمل على "مساره الخاص نحو السلام"، والذي شبّهه بـ"تحالف الراغبين" الذي شكّله لدعم أوكرانيا.
وأوضحت المجلة الأوروبية - في تقريرها - أنه رغم ندرة تفاصيل هذه الخطة حتى الآن، إلا أنها أُثيرت مجددًا عندما التقى ستارمر وترامب في اسكتلندا أمس الاثنين؛ حيث أقرّ الأخير بوجود "مجاعة حقيقية" في غزة، وقال إنه سيعمل مع حلفائه الأوروبيين "لإنشاء مراكز غذائية".
لكن نائبًا بارزًا من حزب العمال عمل مع ستارمر، تحدث إلى المجلة بشرط عدم ذكر اسمه، حذّر من أنه على الرغم من جهوده الدبلوماسية، فإن رئيس الوزراء يُخاطر بالانحراف أكثر عن موقف نوابه بشأن هذه القضية. وقال:" إنه أكثر حذرًا بكثير من أي شخص آخر في الحزب تقريبًا".
وأشارت "بوليتيكو" إلى حقيقة أن العديد من نواب حزب العمال من الصفوف الخلفية يشعرون باليأس من تعنت زعيمهم الواضح بشأن ما يعتبرونه إظهارًا حاسمًا للتضامن مع الفلسطينيين.. وقد وصف نائب ثانٍ من حزب العمال بيان ستارمر الأسبوع الماضي بأنه "مجرد كلام. لا فعل. ولا عقوبات إضافية"، بينما قال ثالث:" لا أعتقد أن الناس سيقبلون بأقل من الاعتراف الآن".
وأكد النواب الثلاثة المذكورون أن ستارمر أصبح الآن بعيدًا عن المزاج السائد داخل حزبه، إذ يواصل فرض وجهة نظره الشخصية.. وكما قال أحدهم: "هذا يلقى عليه باللوم".. بينما أكدت المجلة أن ستارمر بدا مُصرًا على موقفه، حتى مع تزايد مطالب أصدقائه وحلفائه بإعادة النظر فيه.
واعتبرت أن أحد الدوافع الرئيسية لستارمر، هو رغبته في الحفاظ على علاقات جيدة مع ترامب، الذي رفض بفظاظة خطوة ماكرون الأسبوع الماضي، قائلاً: "ما يقوله لا يهم".
وقال بيتر ريكيتس، مستشار الأمن القومي السابق للمملكة المتحدة، تعليقًا على الأمر: إن هذا الاعتبار كان "عاملاً مؤثرًا بالتأكيد". واتفق دبلوماسي بريطاني سابق رفيع المستوى آخر على أن رئيس الوزراء لن يرغب في "إزعاج" الأمريكيين، بعد عام من الجهود المتضافرة لبناء علاقات حسن نية مع البيت الأبيض.
وربط الدبلوماسي السابق الثاني حذر ستارمر بخلفيته كمحامٍ، قائلاً: "أظن أن عقله القانوني سيتساءل عما سيعترف به بالضبط، في ظل عدم وجود حدود معترف بها للدولة الفلسطينية".
كذلك، أبرزت المجلة أن رئيس الوزراء البريطاني لديه شكوك راسخة تجاه ما يسميه "سياسة الإيماءات أو الاستعراض"، التي انتقدها مرارًا وتكرارًا في خطاباته، واستشهد بها عندما تعرض لضغوط للدعوة إلى وقف إطلاق النار في عام 2023.
ويعتقد بعض المراقبين أن ستارمر قد اتخذ حتى الآن القرار الصحيح في محاولته الحفاظ على دعم ترامب، مما يعني أنه قادر على الأقل على تقديم حجج مقنعة للسعي إلى إنهاء الصراع في غزة.
بدوره، قال السفير البريطاني السابق لدى الولايات المتحدة كيم داروش، في تصريح لشبكة "بي بي سي":" يبدو أنه تعلم الدرس، وهو أن إثارة الجدل العلني مع ترامب قد يُوقعك في ورطة. يمكنك طرح نقاط صعبة عليه، ولكن في الخفاء". كما أن هناك من في حزب ستارمر من يعتقدون أن مخاوفه ليست مجرد خلافات قانونية، وأنه مُحق في تمسكه بموقفه.
وكتب جون بيرس، النائب من حزب العمال والرئيس البرلماني لجمعية أصدقاء إسرائيل، هذا الأسبوع:" إذا اتبعت بريطانيا هذا النهج، فسنخاطر حتمًا بتشويه سمعتنا كوسيط محايد، ونُقلل من قدرتنا على تحقيق سلام مستدام طويل الأمد".