السبت، 27 أبريل 2024 04:44 صـ
بوابة المصريين

رئيس الحزب د. حسين ابو العطا

تقارير ومتابعات

حوار.. لقاء الحضارات ما بين مصر والصين «الجزء الأول»

بوابة المصريين

تعبر بنا القارات ونستشرف التقاء حضارات الشرق في إطار المناسبات الاجتماعية وتأثيرها على الفرد والمجتمع وتفيض علينا بالمعلومات الثرية الدكتورة نادية حلمى -خبيرة الشؤون السياسية الصينية والآسيوية وأستاذة العلوم السياسية جامعة بنى سويف-.

ولأن الشرق يحمل جوانب حضارية كثيرة ومتنوعة منها المختلف ومنها المتشابه أخذنا الفضول أن نتحدث مع دكتورة نادية في الشأن المصري والصيني من جانب مختلف ليس سياسي ولا صناعي ولا تجاري وإنما تطرقنا لأساس البنيان وهو الأسرة وخاصة أننا في شهر تكريم المرأة والأسرة والأم لذلك نسعي للإبحار في أجواء المجتمع الصيني وكيف تتطور وما دور الأسرة في ذلك.

* ما أوجه التشابه بين الأسرة الصينية والمصرية؟

- نجد أن الثقافة المصرية أكثر قربًا إلى الثقافة الصينية من الثقافة الغربية، وفى كلتا الثقافتين، تتمتع الأسرة فى الصين ومصر بمكانة هامة. فالعائلة فى الثقافة المصرية تستند إلى إحترام قيم الحب والصبر والأدب والإحترام، وهذا كله تجده في العائلة الصينية. وبوجه عام، فإن الروابط الأسرية متشابهة فى الجانبين.

أن الشعب الصينى والشعب المصرى لديهما العديد من المشترك بينهما، فكلاهما ينتميان للحضارة الشرقية، فكلاهما له نفس العادات والتقاليد المشتركة أو ونقاط تشابه كثيرة بينهما، فعلى سبيل المثال، كل منهما يهتم بالأسرة وصلاتها ويحتفظ أفراد الأسرة والأهل والأقارب بروابط قوية ببعضهم البعض، هذا بالإضافة إلى تمتعهم بعدد من الخصال والأخلاق الحميدة، نتيجة للبيئة، مثل: وجوب إحترام المسنين، ورعاية الصغار، وحب مساعدة الآخرين.

ونجد أن الأسر المصرية والصينية قد تغيرت كثيرًا الآن، فبفعل عامل تطور وسائل الإتصالات الحديثة وتفتح الأجيال الجديدة، فإن العائلات المصرية والصينية أصبحت تتعامل ثقافيًا وإجتماعيًا مع نمطين جديدين للممارسات الثقافية والإجتماعية الجديدة، مثل:

١) عادات وتقاليد جديدة تحمل بين طياتها مبدأ الإندماج والمسايرة، وهى قد لا تؤثر سلبًا كثيرًا على ترابط الكيان العائلى ذاته سواء فى مصر أو الصين.

٢) وهناك، عادات وتقاليد جديدة تحمل بين طياتها مبدأ (التضاد والتغيير القوى)، وهى التى قد تؤثر سلبًا على سلامة الكيان العائلى للأسر الصينية والمصرية فى الوقت الحالى.

وفى القرن العشرين، وخاصةً عند بداية تأسيس جمهورية الصين الشعبية سنة ١٩٤٩، طرأت تغيرات كبيرة على العائلات والأسر الصينية، فتعددت أشكال العائلات الصينية فى العصر الحالى، وتطورت العائلات الصينية لشكل عائلة صغيرة بشكل رئيسى. وفى الوقت الحالى، إن العائلة الصغيرة هى أول إختيارات الشباب الصينى، والمقصود بها طفل واحد لكل أسرة صينية، سواء فى المدن أو فى الأرياف. وتتكون معظم العائلات فى المدن الصينية من زوجين وولد واحد أو أثنين على الأكثر. أما فى الأرياف، فالعائلات الكبيرة التى يعيش فيها ثلاثة أجيال أو أكثر تحت سقف واحد ما زالت كثيرة.

ويستحضرنى فى هذا الشأن هذا الفيديو أو الفيلم الصينى الوثائقى الهام، والذى مدته ١٥ ثانية فقط، حيث يصور حياة (أربعة أجيال من أسرة صينية واحدة)، تعيش فى (مدينة بويانغ بمقاطعة خنان)، حيث لاقى تداولًا واسعًا على صفحات التواصل الإجتماعى العالمية، كما أثار مشاعر ملايين من مستخدمى الإنترنت عبر العالم، نظرًا لما يحويه من مشاعر الترابط بين أبناء الأسرة الصينية.

وعند سؤال مصورة هذا الفيديو الصينى القصير (قنغ شو مين)، والتى قامت بتسجيل الفيديو، أكدت بأن هذا الفيديو قد إلتقطته أثناء إحتفال ٢٦ شخصًا من أفراد أسرتها الصينية بعيد ميلاد والدها. حيث أنجب الأب ٥ أبناء وبنات، تزوجوا جميعًا وأنجبوا أبناء. ويأتون فى كل نهاية أسبوع إلى بيت أبيهم ليقضوا وقتًا ممتعًا معًا.

وهنا نلاحظ أن الأسرة الصينية التقليدية تضم فى الأغلب أفراد ينتمون إلى جيل الآباء والأبناء على الأقل، بل إن وجود ثلاثة أو أربعة وأحيانًا خمسة أجيال تحت سقف واحد كان ظاهرة مألوفة، وهو ما يعرف بنمط (الأسرة الممتدة)، أى الأسرة المتواصلة الإمتداد مع أجيالها. غير أنه ومع تقدم المجتمع وتغير الزمن، تغير حجم وتركيب الأسرة الصينية، التي باتت تتجه نحو صغر الحجم، بعد إتباع سياسة طفل واحد لكل أسرة صينية منذ عام ١٩٧٩ من أجل التطور والتنمية، ومرونة المجتمع. ومن هنا نجد أنه منذ إنتهاج الصين سياسة الإصلاح والإنفتاح، إتجهت العائلة الصينية إلى نموذج العائلة الصغيرة والسهلة تماشيًا مع تغير أساليب الإنتاج والحياة فى المجتمع.

وهنا، بدأ تقلص وإنخفاض حجم الأسرة الصينية يتزايد خلال فترة الثمانينيات، مع بقاء الشكل الجوهرى للأسرة الصينية المكونة من الوالدين والأولاد بنسبة كبيرة. وبعد دخول القرن الجديد، يتزايد فى الصين عدد الأسر ذات الفرد الواحد والجيل الوحيد والأجيال غير المتواصلة عكس ما كان عليه الحال فى السابق، نتيجة لظروف إنتهاج الصين نموذج إقتصاد السوق، وتطور الإنتاج الصناعى والحياة الجديدة، وبسبب التطور السريع وتدفق الفلاحين إلى المدن، أصبح الإنتقال الحر للقوى العاملة أمرًا ضروريًا من أجل دفع عجلة التنمية فى الدولة الصينية.

لذا، باتت المحصلة أو النتيجة فى الصين المعاصرة هو تغيير تركيب وحجم الأسرة الصينية، بسبب تنقل الأفراد من الشباب ومتوسطى العمر بين الريف والحضر، ومن مدينة ومقاطعة إلى أخرى، ومن منطقة إلى أخرى حتى داخل المدينة الواحدة.

وبشكل عام، تفضل الأسر الصينية ولد طفل واحد لكل أسرة صينية، لأن قلة الأولاد تعنى لهم عناية أكثر وصحة أفضل، وتعليم أجود.

والظاهرة اللافتة للنظر الآن فى الصين هو أنه بسبب التحول الحضرى المتسارع، والتحديث المستمر، بات يفضل عدد متزايد من الشباب الصينى حياة العزوبة وإنخفض لذلك معدل الإنجاب فى السنوات الأخيرة، من أجل التمتع أكثر بالحرية الشخصية والحياة وفقًا لرؤية هؤلاء الشباب الصينى.

ونجد، أن أهم نقطة للإختلاف الآن بين مصر والصين، هى تزايد حالات (الإقامة معًا بدون زواج فى المجتمع الصينى إقتداءًا بمفاهيم الغرب)، وهو ما يفرض تحديًا بالغًا على النمط التقليدى المعروف للأسرة الصينية.

وبسبب التطورات الحديثة فى الصين، إنتشرت ما يعرف بظاهرة "أسر الأعشاش الخاوية"، وهى الأسر التى يعيش فيها الوالدان المسنان وحدهما وليس مع أبنائهما، وعائلات الأرامل المسنين. وتحتفل الصين كل عام يوم (١٥ مايو)، بإعتباره يوماً دولياً للأسرة الصينية.

وفى الوقت الحالى، تولى الحكومة الصينية إهتماماً بالغاً بمسألة الشيخوخة، فقد أصدر (مجلس الدولة الصينى) برنامج (الخطة الخمسية الخاص بقضية الشيخوخة فى الصين)، كما أطلقت (وزارة الشؤون المدنية الصينية) مشروع إسمه "شعاع النجوم"، والذى يهدف للإهتمام بكبار السن، وبدأ تنفيذه فى أكثر من ٦٠٠ مدينة متوسطة وصغيرة على مستوى البلاد، فضلاً عن إهتمام (المكتب الوطنى للشيخوخة، ووزارة العلوم والتكنولوجيا)، وغيرهما من الجهات المختصة فى الصين بتنظيم "حملة العمر الفضى"، والتى إستهدفت أن يحتفظ المسنون بنشاط معين، وأن يقدموا فى نفس الوقت مساعدات، أو بمعنى أكثر دقة موارد عقلية للإستثمار الشامل للمناطق الغربية. ونجد أنه الآن فى بعض المقاطعات الصينية، مثل مقاطعات (جيانغسو، شاندونغ، آنهوى، شانشى)، وغيرها قد طبقت نظام توقيع "إتفاقية الدعم الأسرى"، وذلك فى العائلات التى بها نزاعات حول (مساندة المسنين)، حيث بلغت نسبة التوقيع أكثر من ٨٥%، وهى نسبة كبيرة للغاية.

وهنا نلاحظ مدى الإهتمام المصرى والصينى الأسرى والعائلى الكبير بجمع شمل الأسرة، والإلتقاء فى الأعياد والمناسبات والإستعداد لها، وعلى رأسها وأهمها فترات الأعياد فى مصر، ويوم (عيد الربيع) فى الصين، حيث يأخذ الصينيون عطلة تكاد تقترب من أسبوعين، ويبدأ الصينيون فى العودة إلى مسقط رأسهم للم شمل العائلة. ووفقاً للثقافة الصينية التقليدية، تعيش الأسرة النواة الجديدة مع الجدين. ومع بدء جيل الأزواج الشبان تفضيل العيش بعيدًا عن الوالدين، أصبحت إجتماعات لم الشمل العائلى مناسبة مهمة ومقدسة على كافة أفراد الأسرة الصينية.

وعلى الجانب الآخر، فقد واصلت الصين مثل مصر تمامًا كحضارتين شرقيتين يهتمان بالعواطف والآخر، تقاليد إحترام الكبار والعطف على الصغار منذ القدم. وفى المجتمع الصينى المعاصر، وإن كان الجيلان من العائلات الكثيرة لا يسكنان تحت سقف واحد، إلا إن الإتصالات بينهما ما زالت وثيقة. كما أن إعالة ومساعدة الأولاد البالغين لآبائهم وأمهاتهم المسنين وكبار السن، هو أمر واجب ينص عليه القانون الصينى صراحة، وترتبط بين الصينيين مشاعر أسرية مترابطة وقوية، فهناك إتصالات وتبادلات وثيقة بين الوالدين وأولادهما، وبين الأخوة والأخوات، وبين الأخوال وأولاد الأخت وبين الأعمام وأولاد الأخوان. ويمكن للناس أن يتمتعوا بمشاعر ودية عميقة من خلال العلاقات العائلية.

والشئ الأهم الذى تهتم به غالبية الأسر الصينية هو ما يسمى ب (شجرة العائلة) أو (شجرة النسب)، وتعتبر شجرة العائلة الصينية تراثًا ثقافيًا صينيًا خاصًا، وتعد واحدة من إحدى أهم عناصر التراث الثقافى للأمة الصينية، وتشمل: (تاريخ البلاد، وتاريخ البلدة أى المقاطعة أو المدينة التى يسكنون بها، وتاريخ العائلة)، وتنتمى شجرة العائلة الصينية إلى الوثائق التاريخية البشرية النادرة. وشجرة العائلة الصينية هى نوع من السجلات التاريخية التى تدون فيها أحوال تكاثر العائلة وأحوال الشخصيات الهامة منها.

وتضم شجرة العائلة (ثلاثة أجزاء) رئيسية، الجزء الأول: يتضمن سيرة تاريخ العائلة، أى من أسس هذه العائلة من الأجداد القدماء، وإلى من تنتمى هذه العائلة إليه. ويتضمن الجزء الثانى: رسماً لشجرة العائلة، ويتم وضعه وفقاً لتسلسل الأشخاص فى العائلة. ويذكر فيها (الإسم واللقب والوظيفة وتاريخ الميلاد وتاريخ الوفاة والحالة الإجتماعية)، ... إلخ، وكانت هذه التعريفات موجزًا لسيرة أفراد العائلة.

أما الجزء الثالث: فهو المعلومات الثانوية، بمعنى أنه قد يحدد فى شجرة العائلة ترتيب الأجيال وأسماء أفراد العائلة عند بداية وضعها.

وعلى عكس المصريين وإستخدامهم لأسمائهم الأولى، نجد أن الصينيين يبدأون اسمائهم بإسم العائلة، وأهم أسماء العائلات الرئيسية فى الصين، هى عشرة عائلات صينية، مثل: لى Li، وانغ Wang، جانغ Zhang، ليو Liu، تشين Chen، يانغ Yang، تزاو Zhao، هوانغ Huang، تسو Zhou، وو Wu.

وعلى الجانب الآخر، فإن هناك ملايين الأسر والعائلات فى الصين تنتمى إلى ما يعرف بالقوميات فى الصين، فنجد أن الصين دولة موحدة ذات قوميات متعددة، وتتكون من ٥٦ قومية وعرقية معترف بها، ويمثل سكان الأغلبية فى الصين من (قومية الهان)، وهم أكثر من ٩٠% من إجمالى عدد السكان فى الصين، وهم الأعضاء الرئيسيون لأسرة القوميات الصينية الكبرى.

أما القوميات (الخمس والخمسون) الأخرى فى الصين، فتسمى بالأقلية القومية بالصين، ويبلغ عدد سكانها حوالى ١٠% من إجمالى عدد السكان، ورغم أنها قليلة العدد، إلا أن أبناءها منتشرون فى مختلف مناطق البلاد والمقاطعات فى الصين.

ويعيش جميع أفراد العائلات والأسر الصينية وأبنائهم، موزعين على مختلف المقاطعات والمناطق الذاتية الحكم والبلديات، وفقاً للتقسيم الإدارى للدولة الصينية الحديثة.

فالمناطق ذات الحكم الذاتى فى الصين، مثل مناطق الأقليات القومية والعرقية، مثل منطقة التبت على سبيل المثال تعد بمثابة (وحدة إدارية على مستوى المقاطعة الصينية)، وهى لا تختلف عن غيرها من الوحدات الإدارية الصينية على مستوى المقاطعة الواحدة.

ونجد فى الصين موضوع (الحنين للأصالة وللماضى خاصةً من فئة كبار السن)، ومع إنتصار الثورة الصينية وتأسيس جمهورية الصين الشعبية عام ١٩٤٩، ظهرت فى الصين ظاهرة إجتماعية جديدة، سمتها العودة لجذور الماضى للإحساس بالسعادة. فما زال كبار السن فى الصين يتذكرون بشوق وحنين أيام الخمسينيات وأوائل الستينيات، عندما كانت شدة الحرص على قيم الترابط العائلى والبعد عن قيم تفضيل أو حب الذات والأنانية فى أدنى مستوى فى الدولة الصينية.

ونجد الآن أن سرعة التطور فى الإقتصاد والتكنولوجيا وحياة الشعب فى الصين، أضحت تثير إنتباه شعوب العالم.

وهنا نجد أوجه التشابه بين الأسر المصرية والصينية فى أنهما يواجهان كثيراً من الصعوبات والمشاكل فى تربية وتعليم أبنائهم، فبعض المسالك والمسائل الأخلاقية قابلة للسوء مع التطور التكنولوجى الحادث، فضلاً عن معاناة الأسر المصرية والصينية من تزايد نسب البطالة بين جيل الشباب، إن إنتشار أنماط حياة نظام الرفاهية فى المجتمعين الصينى والمصرى، قد أدى لتعريض الأسر والعائلات لصعوبات فى المعيشة، كما أدى تزايد التطور الإقتصادى إلى تلوث البيئة وتغير المناخ.

ووفقًا لتقديرى الشخصى، فقد لاحظت أن مصر والصين تتشابهان فى حجم التحديات والضغوط التى يتعرضان لها من الخارج، خاصةً من قبل الإعلام الأجنبية، والذى أصبح يركز للأسف على هذه المشاكل والصعوبات فى المجتمعات الصينية والمصرية، مع إستمرار الجهود التى تبذلها الدولتين المصرية والصينية من أجل التخلص من كل هذه السلبيات.

* كيف تقود الأم الصينية أسرتها؟

- ويعد من أجمل ما قرأت هو ما كتبه الرئيس الصينى (شى جين بينغ) عن والدته وتربيتها له. ففى مكتب الرئيس الصينى (شى جين بينغ) عدة صور فوتوغرافية له ووالديه والعائلة، منها صورة يظهر فيها هو ووالدته السيدة (تشى شين)، وهما يمشيان يداً بيد. إن والدة الرئيس (شى) قد تركت آثارًا عميقة فيه، حيث مازال الرئيس (شى) يتذكر الآن أنه ذات يوم عندما كان فى الخامسة أو السادسة من عمره حملته والدته على ظهرها إلى مكتبة بعيدة لشراء كتيبة مصورة تحكى عن قصص (الجنرال يوى) المشهور فى التاريخ الصينى بحبه للوطن والدفاع عنه.

ظلت الوالدة (تشى شين) تسعى لأن تكون قدوة جيدة لأولادها وتربيتهم وتعلمهم الأخلاق الحميدة. فكانت تقوم بالشؤون المنزلية وتربية الأولاد والبنات بمفردها، ولم يكن ذلك يؤثر على عملها الرسمى. ولسنوات طويلة، عاشت الوالدة حياة بسيطة رغم أنها زوجة مسؤول حكومى كبير.

ولفهم كيف تقود الأم الصينية أسرتها، يمكننى تطبيق ذلك على والدة الرئيس الصينى "شى جين بينغ"، (تشى شين)، حيث ذكر الرئيس الصينى نفسه، أنه ذات يوم فى عطلة عيد الربيع عام ٢٠٠١، اتصلت الوالدة (تشى شين) هاتفياً بالإبن (شى جين بينغ)، الذى كان يعمل رئيساً لمقاطعة (فوجيان)، حيث قالت له: "إن إتقان العمل هو أكبر حب للوالدين، كما أنه أداء للمسؤولية تجاه النفس والعائلة".

وأهم العبارات التى ذكرتها والدة (شى) له، هى إن "النزاهة قوة غير مرئية وأفضل هدية لأفراد العائلة".

فقد كانت الوالدة تتابع (شى جين بينغ) فى كل خطوة من خطواته، وهى تشجعه أو تنبهه أو تحذره.

وذات مرة، قالت الوالدة للأولاد والبنات: "لا تجعلوا الأمور الصغيرة في البيت تؤثر على أعمالكم".

وعند سماع ذلك، قال الرئيس (شى جين بينغ) بصرامة: "حتى الأمور الكبيرة لا يمكن لها أن تؤثر على الأعمال"!

وعندما أصبح (شى جين بينغ) رئيسا لمقاطعة فوجيان، كتبت الوالدة إليه لتنبهه بضرورة أن "يتشدد مع نفسه أكثر".

وهكذا تعتبر أم الرئيس الصينى الحالى (شى جين بينغ) نموذجًا حيًا وعمليًا من خلال الواقع لكيفية قيادة الأم الصينية لأسرتها وأبنائها وعمل شخصيات قيادية منهم.

* معاملة الأبناء فى الصين للأم ومدى حريتهم؟

- إحتلت الصين المرتبة الأربعين على مستوى العالم فى مجال رعاية الأطفال، وهى تعتبر واحدة من أكثر البلدان أماناً لضمان نشأة سليمة للأطفال. إن هذا الترتيب يعكس جهود الصين فى تعزيز رفاهية الأطفال منذ توقيع إتفاقية حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة فى عام ١٩٩٠.

وقامت الحكومة الصينية بجهود كبيرة من أجل تحسين صحة الأطفال، لذلك، أنشأت العديد من مرافق رياض الأطفال وقصور الأطفال، وباتت تروج للتعليم الإلزامى حتى المرحلة الإعدادية، ومساعدة الأطفال المشردين وأطفال الشوارع وإتباع سياسات صارمة للقضاء على كل تلك الظواهر السلبية فى المجتمع الصينى للعناية بالأطفال.

كما توضع برامج مدرسية خاصة للأطفال فى المدارس الصينية لتوجيه وإرشاد الأطفال وجيل الأبناء خاصةً فئة الأطفال فى الصين على الإحتفاء دوماً بأمهاتهم ولو بأقل الإمكانيات، كعمل رسومات أو تصميم ملابس لهن. وأتذكر ذلك الحفل وتلك الفعالية التى نظمتها (مدرسة جيانغبى) فى (مدينة دونغيانغ) التابعة لمقاطعة شينغيانغ فى شرق الصين، لعمل "رسوم لأمهات جميلات" لإستقبال حلول عيد الأم، وهنا يأتى دور المدرسة الصينية لتشجيع التلاميذ أنفسهم على إحترام وطاعة أمهاتهم، وإعطائهم هدايا وعمل رسومات لهن، مثل رسم صورة ووجه الأم بأقلام ملونة تحت إشراف مدرسين للتربية الفنية والرسم، ومساعدة التلاميذ على عمل بطاقات معايدة لأمهاتهن، وذلك للتعبير عن حبهم وتهنئتهم لأمهاتهم.

ونجد هنا مدى صرامة القانون الصينى فى فرض إحترام الآباء والأمهات من كبار السن حتى بعد زواج أبنائهم، فقد أقرت السلطات الصينية عام ٢٠١٢ تعديلاً جديداً على أحد قوانينها الإجتماعية بهدف المحافظة على بناء وشكل الأسرة الصينية، حيث أن هذا القانون يجبر الأبناء على زيارة آبائهم وأمهاتهم وخصوصاً كبار السن منهم بشكل منتظم، وإلا سيواجهون إمكانية المقاضاة أمام المحاكم. كما تسمح هذه المادة الجديدة التى أضيفت للقانون لأولياء الأمور الكبار فى السن بمقاضاة أولادهم فى حالة ما لاقوا منهم إهمالاً فى زيارتهم، ولكن القانون بصورته الجديدة لم يحدد عدد الزيارات التى يجب أن يقوم بها الأبناء.

ومن أجل صحة أفضل للطفل الصينى، فقد إفتتحت الصين أول بنك لــ "حليب الأمهات" داخل المستشفيات الحكومية عام ٢٠١٧، حيث يهدف إلى حفظ الحليب للوصول إلى أكبر عدد من المواليد الجدد فى الصين من أجل أن يتغذون على الحليب الطبيعى للأمهات للتمتع بأجسام قوية.

وفى الوقت الحالى، إنتشرت (بنوك حليب الأمهات) فى عدد من المدن الصينية، ومنها: مدن "قوانغتشو، نانجينغ، شنغهاى"، فضلاً عن حرص حكومة الصين على إنشاء بنك حليب أمهات للبحث العلمى، بمعنى أنهم يستخدمون الحليب الطبيعى فى البحوث العلمية من أجل سلامة الأجيال الصينية الجديدة.

وبشكل عام، بدأت مشاكل الصين الإجتماعية فى الظهور علناً منذ إرتفاع متوسط عمر الموطن الصينى من ٤١ عاماً إلى ٧٣ عاماً على مدار العقود الخمسة الماضية، كما أنها إرتبطت بشكل واضح مع فرض سياسة الطفل الواحد التى تم تطبيقه منذ عام ١٩٧٩.

ويعد مصطلح (الأم النمرة فى الصين) أى فئة الأمهات اللواتى يضعن قواعد صارمة تجاه التعامل مع أبنائهم تتجاوز الحدود التقليدية المعروفة، يطلق عليها مصطلح الأم النمر. ومصطلح (الأم النمرة)، ينطبق بالأساس على أمهات الصين، حيث يعطى هذا النوع من الأمهات الأولوية للعمل المدرسى لأبنائهن فوق كل شىء، وتسمح فقط للأطفال بالمشاركة فى الأنشطة من أجل الفوز بالجوائز التى يعتقدون أنها سوف تزيد من فرصة قبول الطفل فى مدارس أفضل. وفى الولايات المتحدة الأمريكية، يعتبرون أن "الأمهات الأمريكيات ذوى الجذور الصينية يوفرن ريحاً ثابتة تحت أجنحة أطفالهم"، وهو يعنى أن هذه النوعية من الآباء والأمهات الصينيين يدفعن أطفالهن بإستمرار نحو التميز والتفوق بصرامة نتيجة لعوامل التربية والتعليم والنشأة الصينية الصارمة، والتى إنعكست على جيل الآباء والأمهات حتى بعد هجرة البعض منهم للخارج، إلا أن التشبث بالعادات والتقاليد الصينية الصارمة فى التربية ظل مقياساً ثابتاً مع فئة المهاجرين الصينيين للخارج فيما يتعلق بتربية وتعليم أبنائهم.

ويعد الفيلم الصينى"مرحبا أمى"، هو أحدث فيلم صينى مؤثر ظهر حديثاً خلال العام الحالى ٢٠٢١، ويتحدث عن حب الأم لأبنائها، وإستطاع بجدارة أن ينتزع دموع الصينيين خلال مشاهدته فى السينما، وأن يحقق أعلى الإيرادات فى فترة وجيزة. ويتناول الفيلم قصة إمرأة صينية شابة حطمها موت والدتها، لذا باتت تحلم بالعودة إلى الماضى، وتحديداً إلى اللقاء الأول بين والديها قبل ولادتها مباشرة. والهدف من هذه العودة تغيير حياة والدتها لجعلها سعيدة.

وطاعة الأبناء لأهلهم هى قيمة يشجعها الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين، وتدعمه تعاليم المفكر الفيلسوف "كونفوشيوس"، والذى يستمد الصينيون تعاليمهم الأخلاقية والمجتمعية من خلال تعاليمه.

"للحوار جزء ثانى"

ايمان عزت بوابه المصريين لقاء الحضارات مصر الصين

تقارير ومتابعات

آخر الأخبار