«AirPods Pro 3» تحقق نبوءة الخيال العلمي.. هل نحن على وشك التوقف عن تعلم أي لغة جديدة؟


لم يعد حلم الترجمة الفورية خيالًا من روايات الخيال العلمي، فبعد نحو نصف قرن من ظهور فكرة «سمكة بابل» في رواية دوجلاس آدامز الساخرة «دليل المسافر إلى المجرة»، والتي تتيح فهم أي لغة في الكون بمجرد وضعها في الأذن، بات هذا الحلم يقترب من الواقع بفضل سماعات آبل الجديدة AirPods Pro 3، وفقا لت النسخة الإنجليزية من BBC
فبحسب الشركة، ستتيح التقنية الجديدة الترجمة الحية في الوقت الفعلي، حيث يمكن للمستخدمين الاستماع إلى حديث بلغة أجنبية وسماع الترجمة فورًا في آذانهم، بينما تُعرض النصوص المترجمة على شاشة الهاتف – وكل ذلك دون الحاجة إلى “سمكة فضائية” في الأذن.
نقلة نوعية في السفر والتواصل
هذه الميزة قد تُحدث ثورة في عالم السفر والتفاعل الثقافي، إذ تَعِدُ بتجربة خالية من الحواجز اللغوية في المطاعم الأجنبية أو أثناء التنقل في مدن لا يعرف السائح لغتها.
ووصفت صحيفة نيويورك تايمز التقنية بأنها “ابتكار عميق” وأحد أبرز أمثلة الذكاء الاصطناعي العملي الذي “يُحسن حياة الناس بسلاسة”. ومع ذلك، أشارت بعض المراجعات إلى أن البرنامج لا يزال بحاجة إلى التطوير، بعد أن سجلت تجارب أولية ظهور كلمات غير لائقة عشوائيًا في الترجمة، وهو أمر معتاد في المراحل الأولى لأي تقنية ناشئة.
لكن حتى في مرحلته الحالية، قد يُشجع هذا الابتكار ملايين الأشخاص على السفر بحرية أكبر. فوفقًا لاستطلاع أجرته منصة Preply عام 2025، يختار ثلث الأمريكيين وجهاتهم السياحية بناءً على مدى انتشار اللغة الإنجليزية فيها، بينما قال 17% منهم إنهم يفضلون تناول الطعام في سلاسل الوجبات السريعة الأمريكية في الخارج لتفادي صعوبة قراءة قوائم الطعام الأجنبية.
ميزة الترجمة الفورية قد تغيّر هذا النمط، إذ يمكن أن تُعيد توزيع عائدات السياحة لتشمل المتاجر المحلية الصغيرة والمطاعم التقليدية التي لا يجيد أصحابها الإنجليزية، مما يُعزز الاقتصاد المحلي ويُقرب الثقافات.
إنقاذ في مواقف السفر الحرجة
تحكي غرايسي تيه، وهي مديرة تنفيذية في قطاع الخدمات المالية، عن موقف محرج واجهته أثناء زيارتها لبلدة صغيرة في اليابان حين حاولت إرسال حقائبها إلى فندق آخر. تقول: "لم يكن الموظف يتحدث الإنجليزية ورفض استخدام Google Translate، قضيت ساعات لا أعلم إن كنت سأقضي الأيام التالية دون ملابسي". ثم تضيف: “لو كانت خاصية الترجمة الفورية عبر AirPods متاحة آنذاك، لكانت أنقذت الموقف”.
فوائد عملية تتجاوز السياحة
تطبيقات الترجمة الفورية لا تقتصر فائدتها على المسافرين فقط، بل تمتد إلى العمال في المطارات ومحطات النقل، حيث يواجه الموظفون يوميًا ركابًا يتحدثون عشرات اللغات. فوفقًا لدراسات حول “تأثير تأخير الرحلات”، يمكن لسوء فهم بسيط في التواصل أن يؤدي إلى سلسلة من التأخيرات تمتد لساعات عبر شبكة الطيران بأكملها.
وفي بعض الحالات المأساوية، تسبب ضعف التواصل بين الطيارين وأبراج المراقبة في حوادث طيران كارثية، حتى عندما كان الطرفان يتحدثان اللغة نفسها لكن بلهجات مختلفة. وهنا قد تمثل تقنيات الترجمة بالذكاء الاصطناعي طبقة إضافية من الأمان، رغم أن الخبراء يشددون على أن التدريب البشري سيظل ضروريًا لضمان الدقة.
هل سنكفّ عن تعلم اللغات؟
لكن السؤال الأهم: هل سيتخلى الناس عن تعلم اللغات مع انتشار الترجمة الفورية؟
البعض يرى أن ما حدث للحسابات بعد ظهور الآلات الحاسبة قد يتكرر مع اللغات.
تقول ينغ أوكوسي، مؤسسة برنامج Lingoinn الذي يوفر تجارب إقامة لغوية في الصين وتايوان وسنغافورة: "حتى مع انتشار معلمي اللغات بالذكاء الاصطناعي، يظل التعلم عبر التفاعل البشري المباشر تجربة لا يمكن استبدالها".
وتضيف: “الذكاء الاصطناعي لا يفهم الإيماءات أو التعبيرات غير اللفظية، فالإيطالي مثلاً قد يقول الكثير بإشارة واحدة من يده أو حركة حاجبه، وهذه تفاصيل لا تترجمها الشاشات”.
أما برنادت هولمز، الناشطة في مجال التعدد اللغوي، فتؤكد أن تعلم لغة جديدة يمنح الدماغ “قدرات تنفيذية أقوى، ومرونة إدراكية أعلى، وذاكرة عاملة أكثر كفاءة”، وتضيف: “التكنولوجيا قد تُترجم الكلمات، لكنها لا تُترجم المشاعر”.
بين التقدم والتجربة الإنسانية
لا شك أن الترجمة الفورية عبر سماعات آبل تمثل قفزة تكنولوجية مدهشة، لكنها في الوقت ذاته تطرح تساؤلات عميقة حول الهوية الثقافية والتواصل الإنساني.
فقد تُسهل علينا التقنية فهم بعضنا، لكنها ربما تُفقدنا متعة اكتساب لغة جديدة، والاقتراب الحقيقي من ثقافات الآخرين.