هل الإنترنت حقًا يدوم إلى الأبد؟ دراسة تكشف كارثة «تعفن الروابط» التي تهدد ذاكرة الويب


هل حدث معك من قبل أن نقرت على رابط خلال تصفحك للإنترنت لتفاجأ برسالة تقول: «الصفحة غير موجودة»؟ هذه المشكلة التي أصبحنا جميعًا نعرفها تُسمى بـ«تعفن الروابط» (Link Rot)، وهي لا تمثل مجرد إزعاج عابر، بل تكشف عن مشكلة أعمق تهدد بضياع كميات هائلة من ذاكرة الإنترنت الجماعية، وفقا لـ northeastern
دراسة حديثة من مركز بيو للأبحاث (Pew Research Center) كشفت أرقامًا صادمة عن مدى حجم هذه الظاهرة، وأعادت تسليط الضوء على مشكلة يعرفها خبراء الإنترنت منذ التسعينات… لكنها لم تُحل حتى اليوم.
ثلث صفحات الإنترنت اختف بالفعل
بحسب تقرير مركز بيو، فإن نحو ثلث صفحات الإنترنت التي كانت موجودة في عام 2013 لم يعد بالإمكان الوصول إليها اليوم. لكن الأمر لا يتوقف على المواقع القديمة المهملة فقط، بل يمتد إلى مواقع الأخبار، والجهات الحكومية، وحتى الموسوعات الإلكترونية. إليك بعض الأرقام المثيرة للقلق:
23 % من صفحات المواقع الإخبارية تحتوي على روابط معطلة تؤدي إلى صفحات غير موجودة.
21 % من صفحات المواقع الحكومية فيها روابط مكسورة لا تعمل.
54 % من صفحات ويكيبيديا تتضمن روابط في قسم المراجع تنتهي إلى صفحات اختفت.
وحتى على منصة إكس (تويتر سابقًا)، فإن حوالي واحدة من كل خمس تغريدات تختفي أو تصبح غير مرئية للجمهور بعد بضعة أشهر فقط من نشرها.
هذا يعني أن أجزاءً كبيرة من المحتوى الرقمي الذي نعتمد عليه يوميًا تتلاشى من دون أن نشعر، مما يُفقد الأجيال القادمة سجلاً رقميًا مهمًا عن ماضينا.
عناوين الروابط هشة
بحسب جوزيف ريغل، أستاذ دراسات الاتصال بجامعة نورث إيسترن، فإن جذور المشكلة تعود إلى بنية الإنترنت نفسها. عناوين URL التي نستخدمها لتحديد مواقع الصفحات الرقمية تعمل بشكل مشابه لعناوين المنازل، لكنها هشة للغاية.
بمجرد أن تقرر مؤسسة ما إعادة تنظيم موقعها أو تغيير منصتها، تنهار تلك الروابط القديمة ولا يتم الحفاظ عليها. في التسعينات، جرت مناقشات بين خبراء الإنترنت حول استبدال نظام URL ببديل يُسمى URN (معرف الموارد الموحد بالأسماء)، وهو نظام شبيه برقم ISBN المستخدم لتسجيل الكتب عالميًا. لكن هذا الاقتراح واجه معوقات ضخمة، لأنه يحتاج إلى جهة مركزية لإدارته على مستوى العالم، ما يجعله مكلفًا ومعقدًا.
محاولات فردية للحفاظ على الذاكرة الرقمية
رغم فشل الحلول التكنولوجية حتى الآن، ظهرت بعض المبادرات المستقلة لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من ذاكرة الإنترنت. من أبرز هذه المشاريع:
Wayback Machine
archive.today
perma.cc
هذه الأدوات تتيح للمستخدمين الوصول إلى نسخ مؤرشفة من الصفحات التي اختفت أو حفظ نسخ جديدة يدويًا. لكن بحسب ريغل، فإن هذه الجهود تعاني من قيود كبيرة، لأنها تعتمد في الأساس على مساهمة المستخدمين بأنفسهم، وهو أمر لا يحدث بشكل واسع. وبالتالي، هناك مساحات ضخمة من الإنترنت لا يتم حفظها أو أرشفتها مطلقًا.
هل يمكن للقانون أن يتدخل؟
بعيدًا عن تحديات التكنولوجيا والتعاون البشري، هناك أيضًا عقبات قانونية مرتبطة بحقوق الملكية الفكرية وحقوق النشر عند محاولة أرشفة المحتوى. هنا يرى ريغل أن الحكومات، خاصة الحكومة الأمريكية، يمكنها أن تلعب دورًا محوريًا.
على سبيل المثال، يمكن للكونجرس الأمريكي سن قوانين تمنح حماية قانونية (safe harbor) للأفراد والجهات التي تعمل على حفظ وأرشفة المحتوى لأغراض البحث العلمي أو التعليم. هذا التدخل قد يُحدث فرقًا حقيقيًا في حماية ذاكرة الإنترنت من التلاشي، لكن حتى الآن، لا تزال هذه الجهود محدودة وغير مدعومة بشكل رسمي.