بالساعة والدقيقة والثانية.. موعد مولد النبي بين أقوال المؤرخين وحسابات ناسا والفلكيين


ما أن يهل شهر ربيع الأول على الأمة الإسلامية في مطلع كل عام هجري جديد، إلا وتحل السعادة في قلوب المؤمنين؛ فرحًا وسرورًا بمولد النبي الكريم، عليه صلوات رب العالمين.
وفي الحقيقة، إن لكل أمة ذات حضارة تكتب وتقرأ تدوين تاريخي؛ لملوكها وشعوبها وأحداثها وحروبها وعلاقاتها بالأمم الأخرى، ولكل ما يهمها تدوينه من تاريخها قل ذلك أو كثر، وهذه الظاهرة من ظواهر الاجتماع البشري؛ قد كان للأمة الإسلامية منها نصيب كبير وجليل.
فيجب على المؤرخين المعاصرين، في ظل الثورة العلمية التي تشهدها الإنسانية في كافة مجالات المعرفة؛عدم الوقوع في الأخطاء التي وقع فيها كبار المؤرخين قديمًا. فالعلوم الإنسانية صارت متداخلة ومترابطة فيما بينها، بحيث لا يمكن أن تدرس علمًا مستقلًا عن بقية العلوم والمعارف الأخرى. ومن أشهر هذه العلوم، علم التاريخ الذي صارت له علاقة قوية بمختلف أنواع المعارف الإنسانية؛ لهذا كان لزامًا على المؤرخ أن يكون واسع الثقافة، عالمًا بالعلوم المتصلة بدراسة التاريخ وكتابته، فالمؤرخ يحتاج إلى مجموعة من العلوم المساعدة التي تساعده وتعينه على الوصول إلى الحقيقة التاريخية؛ ومن تلك العلوم علم الفلك.
نسب النبي صلى الله عليه وسلم
هو: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف؛ يتصل نسبه بإسماعيل بن إبراهيم - عليهما السلام -، وبعد نجاة عبد الله بن عبد المطلب من الذبح ـ في القصة المشهورة ـ زوَّجه أبوه من السيدة آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زُهرة.
وبعد أيام من العرس خرج عبد الله في رحلة تجارية إلى بلاد الشام، فخرج مع قافلة قرشية وباع واشترى، وفى عودته مر بيثرب؛ ليزور أخوال أبيه من بني النجار، لكنه مرض في أثناء زيارته، فلما بلغ عبد المطلب خبر مرض ابنه، أرسل على الفور أكبر أبنائه الحارث بن عبد المطلب إلى يثرب ليعود بأخيه، لكن عبد الله تُوفِّي قبل أن يصل أخوه، فحزن عبدالمطلب حزنًا شديدًا على موت ابنه عبدالله الذى لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره، ولم يمضِ على زواجه سوى شهور قليلة.
ولما خفَّت موجة الحزن على آمنة، بدأت تحس بجنين يتحرك في أحشائها، فتعلَّق به أملُها، عسى أن يعوضها فقد زوجها الحبيب، وأخبرت عبدالمطلب بحملها، ففرح لذلك فرحًا شديدًا، وامتلأ قلبه أملًا ورجاءً في أن يأتي هذا الحمل بولد يعوضه عن ابنه الفقيد.
مولد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
في عام الفيل ولدت السيدة آمنة بنت وهب وليدها، يتلألأ النور من وجهه الكريم، أكحل أدعج مختونًا، يرنو ببصره إلى الأفق، ويشير بسبابته إلى السماء، فهرولت قابلته؛ أم عبد الرحمن بن عوف إلى جده عبد المطلب تزف إليه البشرى، وتنقل إليه ذلك الخبر السعيد، فكاد يطير من الفرحة، وفرح الهاشميون جميعًا، حتى إن عمه أبا لهب أعتق الجارية «ثويبة» التي أبلغته الخبر، وكانت أول مَن أرضعت سيد البشر.
أولًاـ آراء المؤرخين:
لقد مرت الكتابة التاريخية بعدة مراحل، منها: أيام المصريين القدماء، والبابليين، والإغريق، والرومان. ثم اتسع مفهوم علم التاريخ عند العرب، فكان منه: القصص والأساطير الشعبية، ثم ظهر مؤرخو المغازي والسير، وكان من أشهرهم: موسى بن عقبة (المتوفى عام: 141هـ/ 758م)، ومحمد بن إسحاق (المتوفى عام: 150هـ/ 768م)، ومحمد بن عمر الواقدي (130 - 207 هـ / 747 - 823 م)، وابن هشام( محمد عبد الملك بن هشام المعافري، المتوفى عام: 213 هـ/ 828 م)، ومحمد بن سعد الزهري (168 - 230 هـ / 784 - 845 م)، وغيرهم.
هذا، ولم آراء المؤرخين قد اختلفوا في شيء، اختلافهم في يوم وشهر وسنة مولد النبي (صلى الله عليه وسلم)، وذلك لحرصهم الشديد على تحري ذلكم اليوم المشهود، ولعدم وجود روايات قاطعة بتعيينه.
ونستعرض هنا بعض هذه الآراء لنخرج في النهاية بما يقتضيه المنهج العلمي والبحث التاريخي.
أولًا: جاء في كتاب" السيرة الحلبية":" عن قتادة(18 ق هـ - 54 هـ / 614 - 674 م)ــ رضي الله عنه ـــ أن رسول الله (صلى اله عليه وسلم) سُئل عن صيام يوم الاثنين فقال ذلك يوم ولدت فيه.
وذكر ابن بكار(172 - 256 هـ / 788 - 870 م)، والحافظ ابن عساكر(542 - 610 هـ / 1147 - 1213 م): أن الولادة كانت حين طلوع الفجر.
ويدل على ذلك قول جدّه عبد المطلب: ولد لي الليلة مع الصبح مولود . وعن سعيد بن المسيب(13 - 94 هـ / 634 - 713 م): ولد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عند ابْهَارّ النهار، قال الأًصمعيّ: قوله ابْهَارَّ يعني انتَصَف، وهو مأخوذ من بُهرْة الشيء، وهو وَسَطُه.
يَقُولُ لَنَا لِسَانُ الْحَالِ مِنْهُ *** وَقَوْلُ الْحَقِّ يُعَذِّبُ لِلسَّمِيعِ
فَوَجْهِي وَالزَّمَانُ وَشَهْرُ وَضْعِي *** رَبِيعٌ فِي رَبِيعٍ فِي رَبِيعِ
قال: وحكي الإجماع عليه، وعليه العمل الآن، وقيل: لعشر ليال مضت من ربيع ، وصححه الحافظ الدمياطي(613 - 705 هـ / 1217 - 1306 م)، وقيل: ولد لسبع عشرة ليلة خلت منه.
وقيل: لثمان مضت منه. قال ابن دحية(544 - 633 هـ / 1150 - 1236 م): وهو الذي لا يصح غيره، وعليه أجمع أهل التاريخ.
بناءً على ذلك يكون مولده ــ عليه الصلاة والسلام ــ في فصل الربيع في الثامن أو العاشر أو الثاني عشر من شهر ربيع الأول، على ما قاله الثقات الذين يعتمد على صحة آرائهم، ويركن إلى أقوالهم.
ثانيًا: جاء ــ أيضًا ــفي الكتاب السابق:" قالت حليمة فقدمنا مكة على أمه (صلى الله عليه وسلم) أي بعد أن بلغ سنتين، ونحن أحرص شيء على مكثه فينا، لما نرى من بركته (صلى الله عليه وسلم)، فكلمنا أمه وقلنا لها دعينا نرجع به هذه السنة الأخرى، فإني أخشى عليه وباء مكة، أي مرضها و وخمها، فلم نزل بها حتى ردته (صلى الله عليه وسلم) معنا. قالت حليمة: فرجعنا به(صلى الله عليه وسلم) فو الله إنه بعد مقدمنا به(صلى الله عليه وسلم) بأشهر، وعبارة ابن الأثير: بعد مقدمنا بشهرين أو ثلاثة مع أخيه (يعني من الرضاعة) لفي بُهْمٍ الْبَهْمَةُ: وَلَدُ الضَّأْنِ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْجَمْعُ بَهْمٌ، خلف بيوتنا إذ أتى أخوه يشتدّ أي يعدو، فقال لي ولأبيه: ذاك أخي القرشي قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه فشقا بطنه. قالت: فخرجتُ أنا وأبوه نحوه، فوجدناه قائمًا منتقعًا وجهه. قالت حليمة: فرجعنا به إلى خبائنا، أي محل الإقامة، وقال لي أبوه: يا حليمة؛ لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب، فألحقيه بأهله قبل أن يظهر به ذلك. قالت : فحملناه فقدمنا به مكة على أمه.
وفي موضع آخر من السيرة، قال:" وعن حليمة ــ رضي الله تعالى عنها ــ أنها كانت بعد رجوعها به(صلى الله عليه وسلم) من مكة لا تدعه أن يذهب مكانًا بعيدًا عنها، فغفلت عنه يومًا في الظهيرة، فخرجت تطلبه فوجدته مع أخته من الرضاعة، وهي الشيماء، وكانت ترقصه بقولها:
هَذَا أَخٌ لِي لَمْ تَلِدْهُ أُمِّي
وَلَيْسَ مِنْ نَسْلِ أَبِي وَعَمِّي
فَأنْمِهِ اللَّهُمَّ فِيمَا تَنْمِي
فقالت: في هذا الحرّ، أي لا ينبغي أن يكون في هذا الحر
ويتضح من ذلك أن هذه الحادثة وقعت بعد عودتها به (صلى الله عليه وسلم) من مكة ، والرواية الأولى تدل على أن عمره (صلى الله عليه وسلم) كان في ذلك الوقت سنتين، وأنه رُدّ لأمه بعد أن بلغ سنتين وبضعة شهور(شهرين أو ثلاثة في قول ابن الأثير).
وهذا يدل على أن سنه لا ينقص عن سنتين ولا يزيد عن سنتين وثلاثة أشهر، حينما أخرجته أخته من الرضاع في وقت الحر الشديد، الذي خشيت منه الضرر عليه مرضعته حليمة ــ رضي الله عنها ـ ، فلا شك أن ذلك كان في فصل الصيف، أو في وقت قريب منه جدًا. ومن هذا يثبت أن ولادته (صلى الله عليه وسلم) كانت في فصل الربيع. وأن هذه النتيجة أقرب للصحة، وأوفق لما جاء في الدليل الأول.
ثالثًا: قال الإمام شمس الدين محمد بن سالم الخلال:" وقد صح أن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ ولد في شهر ربيع الأول في العشرين من نيسان [إبريل]، عام الفيل في عهد كسرى أنوشروان. فلما أتت عليه أربعون سنة ويوم بعثه الله [تعالى]؛ وذلك في يوم الاثنين. فلما أتت له ثلاث وخمسون سنة هاجر إلى المدينة"
وحيث أن شهر نيسان المذكور في هذه العبارة يوافق دائمًا شهر إبريل، فقد ثبت أن ولادته ــ عليه الصلاة والسلام ـــ كانت في فصل الربيع.
رابعًا: قال المسعودي (المتوفى عام: 346هـ/ 957م): إن ولادته ــ عليه الصلاة والسلام ــكانت في سنة 882 للإسكند، وإليك نص عبارته:"والذي صح من مولده ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه كان بعد قدوم أصحاب الفيل مكة بخمسين يومًا، وكان قدومهم مكة يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة بقيت من المحرم سنة ثمانمائة واثنين وثمانين من عهد ذي القرنين، وكان قدوم أبرهة مكة لسبع عشرة خلت من المحرم، ولست عشرة ومائتين من تاريخ العرب الذي أوّله حجة الغدر ولسنة أربعين من مُلك كسرى أنوشروان ، وكان مولده ـ عليه الصلاة والسلام ـ لثمان خلون من ربيع الأول من هذه السنة بمكة"، فالوقت الذي عينه المسعودي لولادته ــ عليه الصلاة والسلام ـ واقع في خلال سنة 571 م.
خامسًا: صرح ابن العبري (المتوفى عام: 685هـ/1286م):" إن محمدًا (صلى الله عليه وسلم) بلغ الثامنة من عمره وقت أن مات كسرى أنو شرون، وحيث إن وفاة هذا الملك كانت في سنة 579م على ما ذكره المؤرخون، فيكون عمره ــ عليه الصلاة والسلام ـــ ثماني سنين في حدود شهر مارس من هذه السنة، وعلى ذلك تكون ولادته في حدود هذا الشهر من سنة 571م.
ثانيًا: أوهام المستشرقين
يطلق لفظ الاسْتِشْرَاق على طلب معرفة ودراسة اللغات والآداب الشرقية، ويطلق لفظ المُسْتَشْرِقِ على الدارس للغات الشرق وفنونه وحضارته، وعليه فَالاسْتِشْرَاقُ دراسة يقوم بها غير الشَرْقِيِّينَ لتُراث الشرق، هذا من حيث المفهوم الواسع.
والذي يعنينا ــ كما يقول الدكتور محمود حمدي زقزوق ـــ: هو «المعنى الخاص لمفهوم الاسْتِشْرَاق الذي يعني الدراسات الغربية المتعلِّقة بالشرق الإسلامي في لغاته وآدابه وتاريخه وعقائده وتشريعاته وحضارته بوجه عام، وهذا هو المعنى الذي ينصرف إليه الذهن في عالمنا العربي والإسلامي، عندما يطلق لفظ استشراق أو مستشرق، وهو الشائع ـــــ أيضًا ـــــ في كتابات المُسْتَشْرِقِينَ المَعْنِيِّينَ».
ويطول بنا المقام لو استعراضنا جميع آراء المستشرقين في هذا المقال الموجز، ولكننا سنكتفي بذكر بعض النماذج.
يقول المستشرق الفرنسي كوسان دو پرسفال(1795 – 1871م) فى كتابه:" تاريخ العرب" ما تعريبه:" قال ابن الأثير: إن كسرى حكم مدة سبع وأربعين سنة، وثمانية أشهر، ومؤرخو الروم يذكرون ـــ أيضًا ـــ هذه المدة، غير أنهم يفترقون عن مؤرخي العرب في شهر واحد فقط)، وذكر ابن الأثير: أن كسرى عاش سبع سنين وثمانية أشهر بعد ولادته عليه الصلاة والسلام.
وحينئذ يكون كسرى حكم أربعين سنة كاملة لعهد ولادة النبي (صلى الله عليه وسلم)، وحيث أن هذا الملك جلس على عرش السلطنة في سنة 531م، تكون ولادته ـــ عليه الصلاة والسلام ـــ في سنة 571 م.
على حين ذكر المستشرق الفرنسيسيلڤستر دو ساسي أن ولادة النبي كانت في الساعة السادسة من ليلة الاثنين لعشرين من نيسان سنة 882 للإسكندر.
أما المستشرق الألماني إيدلر فقال أنه ولد في 22 نيسان أبريل سنة 822 من تاريخ الإسكندر كما نص عليه ابن العميد. ولا يخفى أن شهر نيسان السرياني يقابل شهر إبريل الإفرنجي، وحينئذ يكون مولده، أي ما يوافق 22 إبريل سنة571م.
ثالثًا: حقائق الفلكيين:
وننتقل الآن للحديث حول آراء علماء الفلك حول ولادة النبي(صلى الله عليه وسلم)؛ وهي كالتالي:
أولًا: ذكر يحيى بن أبي شكر المغربي الأندلسي(المتوفى عام: 680 ه/1280 م):" إن سنة ولادة النبي(صلى الله عليه وسلم) اتفقت مع عام الفيل، وهي سنة 882 للإسكندر، وفيها كان قِران بين زحل والمشتري في برج العقرب قبل الولادة بقليل". فبناء على ذلك يكون مولده ــ عليه الصلاة والسلام ــــ بعد يوم 30 مارس سنة 571 م. وذلك لأن أول إبريل سنة 571 م كان المشتري في 15° ـــ 2¯ من برج العقرب. وأن زحل كان في 15° ـــ 17¯ من البرج المذكور، وقد كانت حركة هذين الكوكبين متقهقرة ، ولابد أن القِران حصل في 29 أو 30 مارس سنة 571 م، وهذا القِران يسمى عند علماء الفلك المسلمين قِران ملة الإسلام.
ثانيًا: قال أبو بكر الخرقي (469 ـــــ 533هـ/ 1070 ــــ 1138م) صاحب كتاب " منتهى الإدراك في تقاسيم الأفلاك" ما نصه:" ولد النبي (صلى الله عليه وسلم) في السنة الأولى من القِران الدالّ على ملة الإسلام"، وقد عرفنا مما تقدم أن هذا القِران وقع في 29 أو 30 مارس سنة 571 م ، فتكون ولادته ـــ عليه الصلاة والسلام ـــ في هذه السنة.
ثالثًا: ذكر صاحب كتاب "الكامل في أسرار النجوم" أبو معشر البلخي المنجم البغدادي (المتوفى عام: 272 هـ /885م)، والشيخ أحمد بن عبد الجليل التدميري( المتوفى عام: 555 هـ /1160م) في آخر كتاب" القِرانات" ما يوافق العبارات التي سردناها والأقوال التي استشهدنا بها. حيث بيّن كلٌ منهما أن مولده (صلى الله عليه وسلم) كان في سنة 571 م، بعد التاسع والعشرين من شهر مارس بقليل، وقد علمتَ أنه اليوم الذي حصلت فيه الحادثة السماوية المذكورة آنفًا.
رابعًا: قال المسعودي: إن ولادته ـــ عليه الصلاة والسلام ـــ كانت في السنة الأربعين من حكم كسرى أنوشروان، وذهب آخرون كحمزة الأصفهاني(280 - 360 هـ/893 - 970 م) وغيره إلى: أنها حصلت في السنة الحادية والأربعين من حكم هذا الملك.
ويمكن الجمع بين الرأيين والتوفيق بين القولين بأن هؤلاء الثقات لم يعينوا يوم ولادته من السنة، فيصح أن يقال: إن أصحاب الرأي الأول أرادوا آخر السنة الأربعين، وأصحاب الرأي الثاني قصدوا أوّل السنة الحادية والأربعين من حكم ملك الفرس الأكبر. وبهذا يتضح لنا اتفاق المذاهب اتفاقًا ذاتيًا، وإن اختلفت في شهر أو شهرين، حيث إنها قد أقرت على جعل سنة571م عام المولد النبوي الشريف.
خامسًا: أما أبو الفدا (المتوفى عام: 732هـ /1331م) فقد جعل ولادته ــ عليه الصلاة والسلام ـــ في سنة 881 للإسكندر، وفي سنة 1316 من تاريخ بختنصر، وقال:" إنها توافق الثانية الأربعين من حكم كسرى أنو شروان، ولكن هذا خطأ واضح، وذلك لأن سنة 881 للإسكندر كان مبدؤها أوّل أكتوبر سنة 569 م، مع أن سنة 1316 لبختنصر تنتهي في(2) إبريل سنة 569م المذكورة، فظهر أن توافق هاتين السنتين ضرب من المحال. وعليه فلا عبرة بما قاله أبو الفدا في هذا الشأن، لاسيما وأنه كثيرًا ما تتناقض أقواله، ويتضارب كلامه.
ختامًا
وبعد استعراض هذه الأقوال المختلفة، والآراء المتعددة، لا يسعني إلا الجزم بأن ولادته ـــ عليه الصلاة والسلام ـــ كانت في فصل الربيع من سنة 571 م، وحيث إن بعض هذه الأقوال تصرح بأن شهر إبريل هو شهر المولد النبوي الشريف، والبعض الآخر يدل عليه، فإني أعتبره شهر الولادة حقًا. وأما في أيّ يوم من شهر إبريل كانت الولادة؛ فيقول العلامة محمود باشا الفلكي: إن الاجتماع الحقيقي للقمر حصل في شهر إبريل سنة571م، في يوم(11)، الساعة(9)، والدقيقة(41) بعد نصف الليل على حساب الزمن الوسطى لمكة المكرمة.
وبالرجوع إلى موقع وكالة (ناسا) الأمريكية لعلوم الفضاء، تبين لي أنه تم في يوم(10) إبريل سنة 571 م، الساعة (8) ، و(43) دقيقة، و(42) ثانية، حصل كسوف جزئي للشمس عند دائرة عرض 61 °جنوبًا، وخط الطول 144¯ شرقًا .
وفي يوم (25) إبريل من نفس العام، وفي تمام الساعة(7) مساءً، ودقيقتين و(19) ثانية، حدث خسوف كامل للقمر، مع كسوف جزئي للشمس، ولم يمكن رؤية الهلال بالعين المجردة إلا في مساء هذا اليوم، وحينئذ يلزم أن الشهر القمري العربي كان مبدؤه يوم الأحد (12) إبريل .
وقد قال الثقات: إن النبي(صلى الله عليه وسلم) ولد في (8) أو (10) أو (12) من ربيع الأول كما تقدم، وقد اتفقوا جميعًا على أن الولادة كانت في يوم الاثنين، وحيث لا يوجد بين الثامن والثاني عشر من هذا الشهر يوم اثنين سوى اليوم التاسع منه، فلا يمكن قط أن نعتبر يوم الولادة خلاف هذا اليوم.
ونلخص من هذا، أن سيدنا محمدًا(صلى الله عليهوسلم) ولد في يوم الاثنين (9) ربيع الأول، الموافق (20) إبريل سنة 571 م، والله أعلى وأعلم.
د. محمود محمد خلف
أستاذ التاريخ الإسلامي ـ الجامع الإسلامية بمينسوتا ـ الولايات المتحدة الأمريكية
جداول ناسا تحدد موعد ميلاد النبي
جداول ناسا تحدد موعد ميلاد النبي
د. محمود خلف