«وُلد الهدى».. قبس من أخلاق النبي والشمائل المحمدية في ذكرى المولد الشريف


تجسدت أخلاق النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الكمال والرحمة والصدق والأمانة والعدل والشجاعة والكرم، واعتُبرت نموذجاً يُحتذى به لجميع البشر، حيث قال الله عنه في القرآن الكريم: "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ". لقد جسد النبي الإسلام في سيرته، فكان أرحم الناس بالضعيف والمؤمنين، وأشد الناس حياءً، وأفصحهم بياناً، وأكثرهم عقلاً وحلماً، يصفح ويعفو عن المسيء ولا يخشى في الله لومة لائم..
ولما سئل النجاشي ملك الحبشة جعفر بن أبي طالب: ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا في ديني ولا دين أحد من الملل؟، قال جعفر:"أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسئ الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه، وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الأرحام، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات" .
وكانت أخلاقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أهم وسائل دعوته للناس، وخاصة قريش الذين عايشوه صبيا وشابا قبل بعثته، وكانوا يسمونه "محمد الأمين"، ومن ثم أعلنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ واضحة:"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ".
وقال أنس رضي الله عنه :"خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي أف قط، وما قال لشيء صنعتُه لم صنعتَه، ولا لشيء تركته لِم تركته، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلقا".
ويقول عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ:" لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا، وكان يقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : إن من خياركم أحسنكم أخلاقا "، وقد هذبه القرآن وربَّاه، ولما سأل سعد بن هشام ، أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم ؟، قالت له: " ألست تقرأ القرآن؟، قال: بلى، قالت: فإن خلق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـكان القرآن ".
وكان حسن أخلاقه صلى الله عليه وسلم يشمل ويعم جميع من حوله، فكان صلى الله عليه وسلم يعامل زوجته بالإكرام، والود والحب، والتلطف والمداعبة، ويقول:"خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"، وكان يعين أهله ويساعدهم، فعن عائشة ـ رضي الله عنها قالت:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيط ثوبه، ويخصف نعله"، فكان عطوفًا ودودًا طوال حياته مع أهله، حتى مع مرضعته حليمة السعدية ـ رضي الله عنها ـ، كان يفرش لها رداءه، ويعطيها من الإبل ما يغنيها في السنة الجدباء.
ومن أبرز أخلاق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
- الصدق والأمانة
ضرب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أروع الأمثلة في الصدق والأمانة، فقد لقّبته قريش بالصادق الأمين قبل البعثة، وكان أهل مكة يأتمنونه على أسرارهم، وحوائجهم، وأموالهم، ولما بعثه الله سبحانه وتعالى وأمره بتبليغ الرسالة صعد عليه الصلاة والسلام على جبل الصفا، ونادى في قريشٍ قائلاً: "أرَأَيْتَكُمْ لو أخْبَرْتُكُمْ أنَّ خَيْلًا بالوَادِي تُرِيدُ أنْ تُغِيرَ علَيْكُم، أكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قالوا: نَعَمْ، ما جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إلَّا صِدْقًا"، بل حتى أن ألدّ أعدائه شهدوا له بالصدق، كما حصل عندما قام النضر بن الحارث خطيباً في زعماء قريش.
وعلى الرغم من عداوة أبي سفيان الشديدة له في بداية الدعوة؛ إلا أنه لم يستطع أن يخفي هذه الصفة، حيث سأله هرقل عن صفات رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ قائلا:"هَل كُنتُم تَتَّهِمونَه بِالكَذبِ قَبل أنْ يَقولَ ما قال؟ فزَعمتَ أي أبو سفيان- أنْ لا، فعرَفتُ أي هرقل- أنَّه لَم يَكُنْ لِيدَعَ الكَذِبَ على النَّاسِ، ثُمَّ يَذهَبَ فيَكذِبَ على الله"، وقد وصف الله سبحانه وتعالى نبيّه عليه الصلاة والسلام بالصدق حيث قال:" وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ". وقد بيّن أهل العلم أن الذي جاء بالصدق هو محمد صلى الله عليه وسلم، والصدق هو القرآن الكريم، ومن الجدير بالذكر أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يحثّ الأمّة من بعده على التحلّي بخلق الصدق، فقد رُوي عنه أنه قال:"علَيْكُم بالصِّدْقِ، فإنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ يَهْدِي إلى الجَنَّةِ".
ومن أهم الصفات التي عُرف بها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم، الأمانة، فقد كان يُلقب في قومه قبل البعثة بـ"الأمين"، وكان سبب زواجه بخديجة بنت خويلد ـ رضي الله عنها- ما بلغها عن أخلاقه، وقد تجلت هذه الصفة الخُلقية العظيمة في كل مراحل حياة النبي عليه الصلاة والسلام حتى في أصعب الظروف وأحلك الأوقات، فعندما قرر عليه الصلاة والسلام الخروج من مكة متخفّياً في الليل مهاجراً إلى المدينة المنورة، أمر علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالبقاء خلفه في مكة ليردّ الأمانات والودائع التي كانت قريش قد وضعتها عنده على الرغم من عداوتهم له. "الصادق الأمين" هو اللقلب الذي عرف به النبي صلى الله عليه وسلم في قريش حتى من قبل بعثته، فالصدق والأمانة كانا مما يميزانه صلى الله عليه وسلم.
الرحمة
الرحمة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرحم الناس بأمّته، وكُتب السيرة والتاريخ مليئةٌ بالمواقف التي تبيّن رحمة النبي عليه الصلاة والسلام وعطفه على المسلمين، وقد شهد الله تعالى لنبيّه عليه الصلاة والسلام في القرآن الكريم بصفة الرحمة، حيث قال: "لَقَد جاءَكُم رَسولٌ مِن أَنفُسِكُم عَزيزٌ عَلَيهِ ما عَنِتُّم حَريصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنينَ رَءوفٌ رَحيمٌ".
وقد فاقت رحمة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كل أحدٍ حتى وصفه الله تعالى بأنه أولى من المؤمنين بأنفسهم، حيث قال تعالى: "النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ"، كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رحمة مهداة للعالمين، ورحمته فاقت التصورات حتى وصلت الحجر والشجر وجميع الكائنات.
العدل
ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في العدل، حيث أقام شرع الله تعالى على القريب والبعيد، وعندما سرقت المرأة المخزومية، وحاول أسامة بن زيد ـ رضي الله عنه ـ أن يشفع لها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، تغيّر وجهه عليه الصلاة والسلام وقال: "والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لو أنَّ فاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَها".
وهناك غيرها الكثير من المواقف التي تدلّ على أن العدل من صفات رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الأصيلة، بالإضافة إلى عدله عليه الصلاة والسلام بين زوجاته، وتحمّله لما قد يقع من بعضهنّ من الغيرة. كان النبي صلى الله عليه وسلم أعدل الناس، وكان يحكم في كل واقعة بشرع الله سبحانه وتعالى.
الحلم
كان الحلم خلق من الأخلاق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، و حياته مليئة بالمواقف التي تدلّ على ذلك، ومنها قصّة الأعرابي الذي جذب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من ردائه جذبةً شديدة أثّرت في عاتقه الشريف، وقال له: "يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك". فما كان من النبي عليه الصلاة والسلام إلا أن التفت إليه، ثم ضحك، وأمر له بعطاء، ومما يدلّ على عِظم حلمه عليه الصلاة والسلام عفوه عن المرأة اليهودية التي حاولت قتله بالشاة المسمومة، وعن اليهودي الذي سحره، وعن المشركين الذين أُسروا يوم الحديبية. كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حليماً متروياً وكان أبعد ما يكون عن التهور، كما عرف بعفوه ومسامحته للكثير ممن استحق العقاب بأفعاله.
الشجاعة
الشجاعة الشجاعة من أعظم الأخلاق التي يتحلّى بها الرجال الأقوياء الذين تقوم على أكتافهم الأمم، والذين لا يعرفون طعم الخوف والخور، وقد أثنى الله تعالى على المؤمن القوي، حيث إنه أحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وتجدر الإشارة إلى أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان مثالاً يُقتدى به في الشجاعة والثبات، ومن المواقف التي تدلّ على ذلك ثباته عليه الصلاة والسلام في وجه جيوش الكفر وقادة الظلال، فيوم حُنينٍ لمّا اختلطت صفوف المسلمين وفرّ بعضهم من أرض المعركة، ثبت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثبات الشجعان، وأخذ ينادي في الصفوف قائلاً: " أنَا النبيُّ لا كَذِبْ، أنَا ابنُ عبدِ المُطَّلِبْ" .
وكذلك الأمر يوم أُحد لما خالف الرماة أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وانقلبت أحداث المعركة واضطرب جيش المسلمين وأخذوا ينسحبون من أرض المعركة، ثبت النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ في وجه المشركين وحوله ثلّة قليلة من الصحابة رضي الله عنهم، ومن بينهم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فكان عليه الصلاة والسلام- يقول له: " ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وأُمِّي" . وقد سجّل التاريخ فرار الأعداء وأشد الخصوم من أمامه في الكثير من المواقف الحاسمة، فقد كان ـ عليه الصلاة والسلام- يتصدّى للمصاعب بإيمانٍ راسخ، وقلبٍ ثابتٍ، حتى إنّ علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه- كان يقول:"كنَّا إذا احْمَرَّ البأسُ، ولقيَ القومُ القوم، اتَّقَينا برسولِ اللَّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فما يكون منَّا أحدٌ أدنا مِنَ القومِ منهُ" .
ومن المواقف التي تدل على أن الشجاعة من صفات النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ الخُلقية، نصرته للمظلوم ووقوفه في وجه الظالم، على رغم من قسوة الظَلَمة في ذلك الوقت بالتحديد، فقد رُوي في سيرة ابن هشام أن رجلاً من إراش جاء إلى مكة ومعه إبل يريد أن يتاجر بها، فاشتراها منه أبو جهل، ثم ماطله في دفع ثمنها، ولما طال الوقت ولم يدفع أبوجهل المال، استغاث الرجل بأهل مكة ليردّوا له مظلمته، فلم يغيثه أحد، فالكل يخشى بطش أبوجهل وقوّته، ثم أشار بعض رجال قريش على الرجل بأن يستغيث بمحمد صلى الله عليه وسلم، وما فعلوا ذلك إلا استهزاءً، حيث إنهم يعلمون العداوة التي بين رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبي جهل، فذهب الرجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وقال:"يا عبد الله، إنَّ أبا الحكم بن هشام قد غَلَبَني على حقٍّ لي قِبَلَه، وأنا رجل غريب، ابن سبيل، وقد سألت هؤلاء القوم عن رجل يؤدِّيني عليه، يأخذ لي حَقِّي منه، فأشاروا لي إليك، فَخُذ لي حَقِّي منه"، فقام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومعه الرجل وتوجّه إلى دار أبي جهل وطرق عليه الباب، فقال: من هذا؟ فأجابه، ثم طلب منه الخروج إليه، فخرج أبو جهل مسرعاً قد انتقع لونه من الخوف، فأمره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأن يعيد للرجل حقه، فقال:" نعم، لا تبرح حتى أعطيه الذي له" ، فدخل مُسرعاً وخرج بحق الرجل، ثم انصرف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولحق الرجل بقومه.
وعُرف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بشجاعته التي فاقت تصور أهل قريش، كيف لا وهو نبي مرسل من الله ويدافع عن أجل وأسمى ما يمكن للمرء الدفاع والقتال من أجله؛ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.
التواضع
التواضع كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مثالاً يُقتدى به في التواضع، فعلى الرغم من عِظم مكانته ورِفعة منزلته إلا أنه كان أبعد الناس عن الكبر والبطر، حيث كان ـ عليه الصلاة والسلام ـ يخفض جناحه لأصحابه ـرضي الله عنهم ـ، ويجلس بينهم كواحدٍ منهم، حتى كان يأتي الرجل الغريب فلا يميّزه من بينهم حتى يسأل عنه، مصداقاً لما رُوي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: "كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَجْلِسُ بينَ ظهرَيْ أصحابِه، فيجيءُ الغريبُ، فلا يدري أيُّهم هو، حتى يسألَ، فطلَبْنا إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أن نَجْعَلَ له مجلسًا يَعْرِفُه الغريبُ إذا أتاه".
وفي أحد الأيام جاء رجل إلى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال له:" يا محمَّدُ، يا سيِّدَنا وابنَ سيِّدِنا، وخيرَنا وابنَ خيرِنا "، فقال عليه الصلاة والسلام:" يا أيُّها النَّاسُ، عليكم بِتَقْواكم، لا يَستَهْويَنَّكمُ الشَّيطانُ، أنا محمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ، عبدُ اللهِ ورسولُه، واللهِ ما أُحِبُّ أنْ تَرفعوني فوقَ مَنزلتي التي أنزَلَني الله ".ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم- مثالاً يحتذى به في تواضعه بالرغم من علو مكانته ومنزلته في الدنيا والآخرة، وكان أبعد الناس عن الفخر والكبر والبطر، صلوات ربي وسلامه عليه.
الكرم
الكرم ضرب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أروع الأمثلة في الجود والكرم، فقد كان ـ عليه الصلاة والسلام ـ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان، ورُوي أنه كان يعطي بسخاءٍ من غير أن يخشى الفقر، أو يحسب له حساباً، وقد ربّى الصحابة رضي الله عنهم على خلق الجود والكرم، ووردت الكثير من الأحاديث التي تدلّ على ذلك، ومنها ما رواه أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه قال: "لَوْ كانَ لي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا ما يَسُرُّنِي أنْ لا يَمُرَّ عَلَيَّ ثَلاثٌ، وعِندِي منه شيءٌ إلَّا شيءٌ أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ"، كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أكثر الناس جوداً وكان أجود ما يكون في شهر رمضان المبارك.
الإيثار
ضرب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أروع الأمثلة في هذا الخلق الرفيع، والإيثار هو تقديم حاجة الآخرين على حاجة النفس، ويتجسد في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم من خلال مواقف عديدة، مثل تفضيله لضيوفه على نفسه رغم جوعه، واعتراف الصحابة بإيثار الأنصار عند هجرتهم، ومشاركته لهم في كل شيء . لقد حرص النبي على تعليم أصحابه هذا الخلق الرفيع، وجعله أساساً لبناء مجتمع قوي ومتعاون قائم على المودة والتكافل، مما يجلب البركة والخير للمؤمنين في الدنيا والآخرة.
تشير عائشة ـ رضي الله عنها ـ إلى أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يشبع ثلاث أيام متتالية حتى فارق الدنيا، مؤكداً على أنه كان يؤثر على نفسه.
في قصة أبي هريرة، يُروى أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سأل من يضيف ضيفه، وقدم له اللبن ثم أعطى كل ضيف من الحاضرين ليشرب حتى ارتوى، ولم يشرب هو إلا ما تبقى من القَدَح بعد الجميع.
ويتجسد في سيرة النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ من خلال مواقف عديدة، مثل تفضيله لضيوفه على نفسه رغم جوعه، واعتراف الصحابة بإيثار الأنصار عند هجرتهم، ومشاركته لهم في كل شيء ، لقد حرص النبي على تعليم أصحابه هذا الخلق الرفيع، وجعله أساساً لبناء مجتمع قوي ومتعاون قائم على المودة والتكافل، مما يجلب البركة والخير للمؤمنين في الدنيا والآخرة.
تشير عائشة ـ رضي الله عنها ـ إلى أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يشبع ثلاث أيام متتالية حتى فارق الدنيا، مؤكداً على أنه كان يؤثر على نفسه.
في قصة أبي هريرة، يُروى أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سأل من يضيف ضيفه، وقدم له اللبن ثم أعطى كل ضيف من الحاضرين ليشرب حتى ارتوى، ولم يشرب هو إلا ما تبقى من القَدَح بعد الجميع.
الحياء
الحياء كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أشد الناس حياءً، وقد وصف الصحابة رضي الله عنهم حياء النبي عليه الصلاة والسلام بأنه أشد من حياء الفتاة في بيت أهلها، حيث قال أبو سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ: "كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أشَدَّ حَياءً مِن العَذْراءِ في خِدْرِها"، ومن المواقف التي تدل على أن الحياء من الصفات الخُلقية المتأصّلة في شخصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم ـ حياؤه من الله ـ عز وجل ـ ، وذلك لمّا أشار عليه موسى ـ عليه السلام ـ بالرجوع إلى ربه ـ سبحانه وتعالى ـ في مسألة تخفيف الصلاة في ليلة الإسراء والمعراج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم- لموسى ـ عليه السلام ـ: "قد استحييتُ من رَبّى" .
ومن المواقف التي دلّت على حياء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه عن قصة زواج النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ من زينب بنت جحش ـ رضي الله عنها ـ ، حيث تفرق أكثر الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ بعد تناولهم الطعام في بيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وبقي ثلاثة منهم يتبادلون الحديث، والرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ يرغب بخروجهم، ولكن حياءه منعه من إشعارهم بشيء من ذلك، وتركهم يُكملون ما هم فيه، حتى تولى الله عز وجل بيان ذلك، فأُنزل قوله تعالى: "فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّـهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ"، كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أكثر الناس حياءً، حتى وصفه أصحابه بأنه أشد حياءً من العذراء في خدرها.
الزهد
الزهد إن من صفات الرسول العظيمة الزهد في الدنيا، والرضى بما يقيم الصلب من الطعام والشراب، والصبر على قساوة العيش؛ فعلى الرغم من كونه سيد الأنبياء والمرسلين، إلا أن طعامه كان التمر والشعير، وكان يمضي الشهر والشهرين ولا توقد النار في بيته ويكتفي أهل بيته بالتمر والماء مصداقاً لما روي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "إن كنا آل َمحمدٍ ـ صلى الله عليه وسلم ـ لنمكثُ شهراً ما نستوقد بنارٍ، إن هو إلا التمرُ والماء".
وكان يجوع حتى يربط الحجر على بطنه من شدة الجوع، مصداقاً لما رواه عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنهـ ، حيث قال: " لقد رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يظلُّ اليومَ يلْتَوي، ما يجدُ دَقَلاً يملأُ به بطنَه"، ولو أراد لأكل أفضل الطعام فقد حُملت إليه الأموال ولكنه لم يبقي لنفسه منها شيئاً وإنما كان يُنفقها كلها في سبيل الله، وكان ينام على الحصير، ووسادته محشوة بالليف، ولباسه البُرد الغليظ، ولو أراد أن يلبس أجمل الثياب، ويعيش في رغد ونعيم الحياة لفعل، ولكنه اختار الزهد في الدنيا؛ لأن هدفه ما عند الله تعالى.كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ زاهداً في الدنيا ومتعها، راجياً في ذلك الجزاء الأوفى من الله تعالى في الدار الآخرة.
الصبر
كان النبي الكريم أصبر الناس على الأذى، وكان يناله من الأذى ما ينال أصحابه في بداية البعثة في مكة المكرمة؛ فلا يصدّه ذلك عن دعوة الحقّ شيئاً، بل يزداد ثباتاً وجلداً وصبراً، فكان الصبر درعه المتين، يتحصّن به مستذكراً دعوة المولى عز وجل له بالتزام هذا الخلق العظيم، حيث قال تعالى: " فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ" .وكلمّا احتشدتْ عليه الخطوب والكروب تسلّح بقول المولى -سبحانه-: " فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ" .
وعُرف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بصبره الكبير، وكان أصبر الناس في مواجهة الأذى الذي تعرض إليه في مكة المكرمة حتى أكرمه الله تعالى وخرج منها إلى المدينة المنورة.
صبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يظهر جليًا في تحمل الأذى من المشركين مثل وضع سلى جزور على ظهره وسلته في وجهه، وصبره على مشاق الحياة مثل الفقر والحمى، وفراغ بطنه، وعلى الفقد بفقد زوجته خديجة وأولاده وعمه حمزة، وصبره على طاعة الله تعالى في قيامه وعبادته، ودعائه بأن يكون عبدًا شكورًا، مما يجعله أسوة للمؤمنين في الصبر.
القدوة
النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو القدوة الحسنة التي يجب على المسلمين الاقتداء بها في جميع جوانب حياتهم، فقد كان نموذجًا كاملاً للإنسانية في أخلاقه ومعاملاته، ودليلاً عمليًا على مبادئ الدين في سلوكه كزوج وأب ورجل أعمال وقائد، مستمدًا هذه الكمالات من القرآن الكريم الذي كان خُلُقه، كما يشهد القرآن الكريم على عظمته ويأمر باتباعه.
للاقتداء بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يجب علينا أن نتخلق بأخلاقه، ونتبع منهجه، ونطبق سنته في حياتنا اليومية، ونتذكر أن الله أمر بذلك بقوله: "لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا".
والسيرة النبوية فيها الكثير من المواقف التي يظهر من خلالها مدى تأثيرُ القُدوة العملية في المدعوين، والتي قد لا تتوافر لمجرد الدعوة النظرية، ومن هذه المواقف مشاركته ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأصحابه العمل والحفر في غزوة الأحزاب، أعطى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ القدوة العملية في مشاركته لأصحابه التعب والعمل، والآلام والآمال، فقد تولى المسلمون وعلى رأسهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ،المهمة الشاقة في حفر الخندق، ورغم طوله الذي بلغ خمسة آلاف ذراع، بعرض تسعة أذرع، وعمق يقرب من عشرة أذرع، فقد تم إنجازه في سرعة كبيرة، وكان لمشاركة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الفعلية، الأثر الكبير في الروح العالية التي سيطرت على المسلمين في موقع العمل، وكان أثناء حفره يردد أبيات عبد الله بن أبي رواحة ـ رضي الله عنه ـ :
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلّينا
فأنزلن سكينة علينا وثبّت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا وإن أرادوا فتنة أبينا
د. سليمان عباس البياضي
عضو اتحاد المؤرخين العرب
د.سليمان عباس البياضي