«ذهب الفراعنة».. ما سر استخدام الأقزام في صناعة الحلي في مصر القديمة؟| صور


في روايته التاريخية كفاح طيبة استعرض أديب نوبل العالمي نجيب محفوظ، قصة الأسرة الفرعونية السابعة عشر ودورها في تحرير البلاد من احتلال الهكسوس، بدءا من الملك سققن رع تاعا الثاني ونجليه كامس وأحمس، وفي الرواية أظهر نجيب محفوظ الأمير أحمس حين تنكر في ثوب تاجر يدعي إسفينيس يبيع الحُلي من الذهب واللؤلؤ والعاج والأقزام قادمًا من بلاد النوبة إلى عاصمة الهكسوس في هواريس، ودخل إلى قصر ملكهم أبوفيس واستطاع أن ينتزع المشاعر من قلب ابنته الأميرة أمنريدس ، في مهمة استخباراتية.
كانت هذه المقدمة الروائية ضرورية للإجابة عن سؤال مهم، وهو: لماذا كان يتواجد الأقزام فى ورش الذهب والمجوهرات فى مصر القديمة؟.
والحُلي، هي كل ما يُرتدى بغرض الزينة والتجمُل من قلائد وأساور وأقراط وخواتم وصدريات فتزين المصريون القدماء بأنواع مختلفة من الحُلى بغرض الزينة وإضفاء المظهر الحسن، ولم تقتصر الحُلي على النساء فقط، بل اعتاد الرجال أيضاً على التزيُّن بها ، حيث كان لمختلف الفنون أثر فى نفس المصرى القديم.
بدوره يقول الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار فى تصريحات لـ"بوابة الأهرام"، إنه قد حاول الصانع إظهار إبداعه فى تنفيذها وفى ماتحمله من مضمون ورموز مكنونة، فلم يكن ارتداؤه للحُلي بغرض الزينة فقط، بل كانت تحمل أغراضاً دينية أخرى كالحماية وجلب الرزق والسعادة ودرء الحسد نراها متمثلة فى التمائم والمُعلقات الصغيرة.
تعددت أغراض الحُلي الدينية والدنيوية، فبجانب استخدامها للزينة اعتقد المصرى القديم فى وجود قوى خفية كامنة بداخلها لها القدرة على حمايته من الأرواح الشريرة وتجلب له الخير والنفع ، ومن ثم تعددت أشكالها وخضعت للتطور والأفكار الدينية.
صناعة الذهب في مصر القديمة
المجوهرات عند قدماء المصريين
الحلى والمجوهرات وتحديداً العقود أو ما يُطلق عليها "كوليير" هى من أقدم الصناعات فى مصر القديمة، فقد بدأت منذ عصر ما قبل الأسرات، وتحديدا من عصور ما قبل الكتابه في فترة حضارة نقادة والبدارى.
صنع المصرى القديم الحلى والتيجان والعقود من بعض المواد المتوفرة كالحجارة البركانية أو المزججة أو الحجارة العادية أو العاج وعظام الحيوانات أو فروع الشجر وأغصانه وأصداف البحر، وكل المواد التي كانت توفرها بيئته المحيطة وربط بينهم بخيوط من شعر أو جلد الحيوانات.
ويوضح شاكر، أنه منذ عصر الأسرة الأولى بدأ المصري القديم فى إستخدام الذهب والفضة والنحاس او طلاء مشغولاته والحلى الخاص به بتلك المعادن وازدادت الخبرات حتى وصلت إلى الدولة الوسطى بخبرات وفن راقى، وتعددت المشغولات وأشكالها وموادها وتنوعت حتى أصبحت فى عهد الدوله الحديثة والتوسع الإمبراطورى والانفتاح التجاري والبعثا فى قمة مجدها وازدهارها، وأصبحت مشغولات الدوله الحديثة من الحلي والعقود والمشغولات الأخرى هى الاكثر جمالاً وإبداعًا على مستوى العالم القديم بأكمله.
ولم يتوقف نمو وازدهار صناعة الحلي والصياغة في مصر القديمة، والتي كانت نابعة من الذوق الرفيع والمهارة الفائقة لصائغي الحلي والمجوهرات خاصة من الأقزام، والذين ارتبطوا بهذه الصناعة كثيرًا؛ نظرا لسهولة ويسر تنفيذ العمل بدقة باستخدام الأنامل الصغيرة، والتي كانت تميزهم عن الآخرين من صناع الحُلى والمجوهرات فى الصاغة المصرية القديمة.
صناعة الذهب في مصر القديمة
دور الأقزام في صناعة الذهب
ووجود الأقزام فى ورش الذهب والمصوغات نوع من طرق الحماية والحفاظ على الثروة الذهبية، وأنه فى حال قيام أحد العمال بسرقة الذهب أنه سيتم الوصول اليه والقبض عليه بسهولة؛ نظرًا لأنه قزم بطئ الحركة، كما أنه سهل التعرف عليه بين عامة الناس، بينما يفسر البعض الآخر وخاصة ذوى النظرة الفنية وجود الأقزام فى ورشة المصوغات؛ نظرا لصغر أصابعه ويديه عمومًا فأنه يستطيع التعامل مع القطع الفنية الدقيقة الحجم بكفاءة واحترافية أكثر.
ويضيف مجدي شاكر، أن التفسير الثانى هو الأقرب للصواب حيث أن بعض مراحل صياغة الذهب والحُلى مازالت حتى اليوم، رغم التقدم الفنى الصناعى يتم الاعتماد فيها على أصابع الفتيات الشابات، حيث تتميز أصابعهن بصغر الحجم عن مثيلهم من الشباب، بالإضافة إلى رقة التعامل مع القطع الفنية فى بعض مراحلها، وخاصة مرحلة صب النماذج بالشمع الأحمر ثم تجميعها فيما يسمى شجرة الشمع المفقود.
صناعة الذهب في مصر القديمة
أنواع الحُلي ووظائفها
كانت الحُلى لها غرضين أساسيين إما دينى و جنائزي أو زينة حياتية تستخدم يوميًا للزينة والتجمل، وكان جميع المصريين رجال ونساء بكل فئات الشعب والأعمار يرتدون الحُلى أو العقود على مختلف أحجامها وأشكالها وأثمانها.
أولاً: الحُلي الدينية أو التمائم الجنائزية: وهى نوع من الحلى الذى له صلة أو صفة دينية وسحرية فى الحماية من الشياطين وكائنات الشر، وجلب الحظ والحماية بأنواعها المختلفة، وكانت ترتبط تلك الحلى أو العقود برؤوس أو أسماء بعض المعبودات مثل حورس وعين الوادجت وجعران خبر وبس وحتحور وإيزيس وغيرهم.
ثانيا: القلائد والعقود والحلى الحياتية: وهى عقود تم ارتداؤها فى الحياة اليومية ولا تختلف كثيرًا عن العقود السحريه والجنائزية إلا أن بعضها بلا رموز أو كلمات شعائرية، ويستخدم للزينة أو الدلالة على مكانة الشخص فى المجتمع أو صفته أو كوسام شجاعة مثل وسام الثلاث ذبابات، الذى كان يمنح للقاده العسكريين عقود تدل على بسالتهم وشجاعتهم فى الحروب، وهناك ما كان يمنح للأمراء أو حكام الأقاليم أو الوزير أو يرتديه الملوك فقط، فلها أشكال ونماذج وأسماء متعددة .
والفرق المهم أو الأساسى الذى يفرق به المتخصصين بين الجنائزى والحياتى هو أن الجنائزى لا يوجد له ثقل خلفى لموازنة العقد ذو الدلايه أو الأحجام الكبير ومادة الصنع تكون خفيفة أو عادية بينما الأوتار والخيوط فى الجنائزية تكون ضعيفة أما فى الحياتي يكون قويه ولها مشابك ودبابيس ثابتة وشديده الأحكام والأخير أن الجنائزي تصنع منها كميات كبيرة جاهزة وتباع لأهل المتوفى صغيرة الحجم وقد لا تتناسب للارتداء الحقيقي، فهي أصغر من العنق أو المعصم أو القدم، وتوضع فقط ككنوز تابعة للمتوفى فى العالم الآخر، بينما كان للحُلي الحياتية أحجام كبيرة تناسب الجميع ومقاسات مختلفة مصنوعة خصيصًا للشخص الذي يرتديها.
صناعة الذهب في مصر القديمة
العقود الذهبية
كان هناك عشق كبير من المصرى القديم لاستخدام العقود وخاصة الفئات الغنية والأثرياء، حيث كانوا يرتدون الذهب والمواد النفيسة، وتم تصوير الملوك الآلهة بكثرة، وهم يرتدون تلك العقود، والتى كان يمنحها الملك للمخلصين له وحاشيته أما الفقراء فكانوا يستخدمون الخشب والأحجار الزجاجية وغيرها من المواد الرخيصة، ولكن جميع الشعب المصرى القديم كان يحب أن يتردى القلائد ويتزين بها ومن أشهر أنواعها "القلائد الذهبية".
ويقول مجدي شاكر، أن الذهب عُرف باسم "نبو"، وتم استخراجه من منطقة النوبة والمنطقة الجنوبية الشرقية حتى حدود السودان، وكان يتواجد معدن الذهب ضمن الحصى والرمال الناتجة عن تحطيم الصخور، وبالرغم من ارتفاع درجة نقاؤه إلا أنه دائماً ما تتواجد به نسبة من النحاس أو الفضة.
أما الفضة فقد عُرفت قديماً باسم "حِج" وندر تواجدها جداً فى مصر، لدرجة أنها كانت أثمن وأغلى من الذهب، فكانت تستخرج من مخلفات الذهب أو يتم استيرادها من العراق والأناضول، وحمل معدن الفضة رمزية خاصة، حيث ورد فى بعض البرديات الدينية أن من يقتنى الفضة يُشفى، ويُصبح قوياً، ويمتلك الأشياء.
أما الذهب الأبيض (الإلكتروم)، فقد أطلق عليه المصرى القديم اسم "جعمو"، وكان عبارة عن خليط من الذهب بنسبة 75%، والفضة بنسبة 22%، والنحاس بنسبة 3% ، وكان يستخرج من مصر بجانب استيراده من بلاد بونت (الصومال)؛ ونظراً لشدة صلابته كان يتم استخدامه فى تغطية قمم المسلات والأثاثات الخشبية.
وكانت الصدرية تُصنع من الذهب، وأحيانا من معدن مطلي بالذهب، كما تطلى باللون الأصفر إذا كانت مصنوعة من معدن أقل كالنحاس أو غيره؛ لتتخذ شكل الذهب، وما تزال الفتيات في الريف المصري يرتدين الصدرية حتى الآن، وإن اتخذت الصدرية أسما آخر؛ هو "الكردان الذهب".
صناعة الذهب في مصر القديمة
صناعة الذهب في مصر القديمة
#