د. رشا محمد تكتب:التسامح المرفوض


التسامح يعنى التخلى عن أى مشاعر سيئة أو رغبة فى الانتقام بعد التعرض للأذى فى تجربة ما، فإن هذا يثير الكثير من التوتر ويسبب تعبا جسديا، ويجب المسامحة وإعلاء شعار أخلاقنا الجميلة لنعيش بسلام، والتسامح لا يعتبر التصالح مع الشخص الذى أساء إليك، وإنما بمثابة صفحة جديدة مع نفسك انت لصلاح قلبك وحالتك النفسية، فهو أفضل له، يقول الله سبحانه: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ[الشورى:40] ويقول : وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى[البقرة:237] ويقول النبي ﷺ: ما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا لكن إذا كان العفو يجر الشخص للشر والفساد ويعينه على الباطل، فالأفضل عدم العفو
متي يكون العفو مرفوضا
وأما إذا كان ترك العفو أصلح؛ فتركه أولى؛ فلا يستحبّ العفو مطلقًا، وإنما يستحبّ حيث كان أصلح، فمن عرف بالشرّ والفساد، وكان العفو يزيده تماديًا في شرّه؛ فلا يستحبّ العفو عنه.
ثم إن العفو إنما يحسُن ويجمُل مع القدرة، لا مع العجز عن الانتصار.
قد يؤدي التسامح الى الإبتزاز والتنازل عن الحقوق، وهذا تسامح مذموم، لذا يجب أن نميز الأمور، ونتخذ الموقف المناسب اذا تطلب الموقف الحزم والجرأة، وإفهام الآخرين بضرورة رفض الظلم ووقف الاعتداء أيًا كان نوعه، ماديًا كان أم روحيًا أم معنويا، قبل أن يفضي الى حياة سلبية لا تليق بالحياة الإنسانية. هنا لا تكون المعالجة مسألة تعصب أو عناد، هنا تكون المسألة مسألة مبادئ وحقوق. وفي هذا قول الإمام الحسين عليه السلام: (وَاللَهِ لاَ أُعْطِيكُمْ بِيَدِي إعْطَاءَ الذَّلِيلِ وَلاَ أُقِرُّ لَكُمْ إقْرَارَ الْعَبِيدِ).
من أكثر الأقوال المأثورة المنتشرة والتي أقف عند كثير منها متأملاً، وكثير منها رافضاً مضمونه، لأنه ليس هناك شيء مطلق بل «نسبي»، تلك الأقوال التي تتحدث عن «التسامح» من منطلق أنك حينما تتعرض للإساءة فإن أعلى مراتب القوة تتمثل بالتسامح والعفو عمن أساء إليك
نعم، التسامح أمر إيجابي، هو يحقق لك راحة مع نفسك، ويزيح كماً كبيراً من الضغينة قد يثقل صدرك تجاه المسيء لك، لكنه أمر «نسبي» أيضاً، إذ بعض الحالات التسامح والعفو فيها يمكن أن يكونوا عاملين إيجابيين ولهما تأثيرات طيبة عليك، لكن بعض الحالات، وتحديداً في حق أناس لا يستحقون التسامح، فإنك تخطئ خطأً كبيراً بحق نفسك
النوع الأسوأ والذي يكون التسامح معهم أكبر خطأ يمكن أن تقع فيه، هم أصحاب الخصال الدنيئة، أصحـــــاب النفوس المريضة، من يريدون التطـــــاول على البشر والإساءة لهم، وإيذاءهم بشتى الوسائــــل، ثم يتصرفون بطريقة عادية، بل يتعاملون مع الآخرين الذين يخطئون بحقهم على أنهم من أخطؤوا بحقهم وليسوا هم. هذه نوعية من البشر التسامح معها ضرب من الغباء والتهور، لكن المسيئ والمخطئ عن عمد وتقصد، إن لم يردعه قانون أو رد حاسم، سيتمـــــادى وسيستمر بالتطاول وإيذاء الآخرين، هـــــؤلاء السكوت عنهم جريمة.
مع احترامي لمن يتحدث عن «العفو» و«التسامح» بمفهوم قبول «التطاول والإساءة والاستهداف» من أشخاص منحدري الأخلاق وعديمي الوازع الأخلاقي، هذا حديث مبعثه «ضعف» و«قبول بالإساءة»، وليس التسامح الذي يجعلك كبيراً وقوياً