في ذكرى الرحلة الأولى لسكة حديد الحجاز.. ماذا فعل المهندسون كي لا يزعجوا النبي في قبره؟| صور


في صحراء وادي رم القاحلة.. يقبع قطار عثماني عتيق على سكة حديد الحجاز التي وصلت بين دمشق والمدينة المنورة مروراً بالقدس الشريف والأردن منذ أكثر من 125 عاما لغرض خدمة الحجاج.
قام بهذا المشروع الكبير السلطان العثماني عبد الحميد الثاني في شهر سبتمبر من عام 1900م والذي يوافق 1318هـ، وقد استغرق العمل في المشروع 7 سنوات، وقد وصل أول قطار للمدينة المنورة في مثل هذا اليوم 23 من شهر أغسطس 1908م، حيث بلغت تكاليف هذا المشروع الضخم 3 ملايين جنيه إسترليني، وبلغت التبرعات للمشروع مليون جنيه استرليني، وبلغ طول الخط 1320 كم، تتخلله محطات مقامة على طول الخط تبعد كل واحدة عن الاخرى 20 كم. وعُد هذا المشروع من المشروعات الكبرى التي طورت من المدينة المنورة آنذاك، ويعتبرها البعض من أهم انجازات السلطان عبد الحميد الثاني، الي حاول النهوض بالدولة العثمانية في وقت كانت تلفظ فيه أنفاسها الأخيرة.
قطار سكة حديد الحجاز
فكرة المشروع .. حلم طال انتظاره
أما فكرة المشروع فهي قديمة، ولكن الدولة العثمانية تلكأت للتكاليف الكبيرة وصعوبة حماية الخط إلى زمن السلطان عبد الحميد الثاني الذي حوله إ لى حقيقة.
سُمي المشروع بخط سكة حديد الحجاز؛ نسبة لاسم المنطقة الواقعة غرب شبه الجزيرة العربية، حيث تقع المدينتان المقدستان مكة المكرمة والمدينة المنورة، وعُرف في السجلات العثمانية باسم "خط شمندوفير الحجاز" أو خط حديد الحجاز الحميدي، وفي وثائق دار الأرشيف العثماني باسم "حجاز تيمور يولي"، بينما سمته مراجع تاريخية "طريق الحرير الحديدي"؛ بسبب تأثيره السياسي والاقتصادي والاجتماعي الحيوي على المنطقة خلال فترة تشغيله.
قطار سكة حديد الحجاز
تعود فكرة إنشاء هذا الخط إلى مجموعة من المقترحات قدمها مهندسون من مختلف الجنسيات، ففي عام 1864م، حيث قدم المهندس الأمريكي من أصل ألماني تشارلز زامبل مقترحا لربط دمشق بالبحر الأحمر، وذلك في عهد السلطان عبد العزيز.
وفي عام 1872م قدم المهندس الألماني ويلهام فون برسيل مقترحًا يهدف إلى ربط القسم الآسيوي من الدولة العثمانية، وفي عام 1974م قدم الملازم أحمد رشيد مقترحًا لمد خط من الشام إلى مكة ومنها إلى جدة.
وفي عام 1879م، قدم الإنجليزي "إلفينستون دارلمبل، فكرة لإنشاء خط من حيفا أو عكا يخترق وسط الجزيرة العربية ويتصل بالكويت ومنها خط فرعي إلى البصرة، إلا أن التكلفة العالية للمشروع كانت مانعَا أساسيَا للشروع في تنفيذ أي من هذه المقترحات.
قطار سكة حديد الحجاز
قبل أكثر من قرن وربع القرن، سعى السلطان عبد الحميد الثاني إلى ربط الأقاليم العثمانية بشكل أكبر بإسطنبول وتوفير الحماية لها، وحينها كان الحجاج يتوجهون إلى الديار المقدسة عبر قوافل في رحلة مرهقة تستغرق شهرين وتتعرض لاعتداءات وسرقات كثيرة.
بقي المشروع طي الكتمان، ثم تجدد الاهتمام به حين قدم وزيره في الأشغال العامة حسن فهمي باشا عام 1880م لائحة مشروع مفصل لخط حديدي يربط الأناضول بالجزيرة العربية، ينطلق من أزمير مرورًا بقونية وحلب وينتهي في بغداد ومن دمشق إلى الأراضي المقدسة، لكن الأحوال المالية كانت عائقًا حال دون تنفيذه.
في عام 1884م، قدّم والي الحجاز عثمان نوري تصورًا عن أهمية إنشاء خط في أراضي الحجاز في صد أي اعتداءات خارجية على المنطقة، ثم جدد مقترحًا بخط بين مكة وجدة عام 1892م استعان فيه بمذكرة قدمها الضابط سليمان شفيق ووالده المعين في أمانة سر الحج، تشرح الأهمية الإستراتيجية لإنشاء خطوط حديدية، في حال إغلاق قناة السويس من قبل الإنجليز أو نشوب صراع بين الدولتين.
وشهدت نهاية عقد التسعينيات من القرن التاسع عشر إحياء الفكرة من جديد على يد رجل الدولة الدمشقي أحمد عزت باشا العابد، حين قدم عام 1892م خطة تفصيلية لمشروع أقل تكلفة مما قدم، أرفقها بشرح فوائده الأمنية والسياسية والدينية والخدمية والاقتصادية.
قطار سكة حديد الحجاز
كان عزت باشا على اطلاع بالمشاريع المقترحة سابقا، عندما كان يشغل منصب مدير الأوقاف في جدة وبين أهمية إنشاء خط حديدي بخاري من الشام أو من مكان خط حديدي بخاري من الشام أو من مكان آخر مناسب إلى الحجاز، ليكون طريق الحجاج سهلا وآمنا، ويقال إن هذه الفكرة حظيت بتأييد المستشار العسكري للسلطان فأحالها على الفريق محمد شاكر باشا رئيس الأركان الحربية والذي أنشأ رسما للخط المقترح وتقديراته المالية والفنية.
في 30 أكتوبر عام 1897م، قدّم أحمد مختار باشا المعتمد المميز في مصر عريضة للسلطان نبه فيها على خطورة التدخل الإنجليزي في أفريقيا والبحر الأحمر واليمن، والتهديد الذي تتعرض له المناطق المقدسة في الحجاز، واقترح إنشاء خط يربط دمشق بالسويس، وقونية في الأناضول بدمشق.
وكان مجلس الوكلاء حينها قد ناقش هذه العريضة في يناير 1898م، ووافق على أهمية المشروع المقترح لكنهم أجلوا دراسته إلى وقت لاحق.
وترجح بعض المصادر أن الصحفي الهندي محمد إن شاء الله بلور صاحب فكرة إنشاء خط من دمشق إلى المدينة المنورة في إطارها الصحفي، وقاد الدعاية لها في مختلف صحف العالم الإسلامي.
وكان تحقيق هذه الفكرة إحدى أمنيات السلطان التي تحدث عنها في مذكراته عام 1898م، وبعد عامين تبنى تنفيذ المشروع الذي وصفه بـ "حلمه القديم"، انطلاقا من سعيه لتعزيز التضامن الإسلامي، ودعم قوة الدولة وقدرتها الإستراتيجية.
قطار سكة حديد الحجاز
تمويل المشروع
كانت تكلفة المشروع بالعملة العثمانية تبلغ تقريباً 3,500,000 مليون ليرة عثمانية، وكانت كبيرة جداً وقتها، وبعد ذلك وجه نداء للعالم الاسلام وفتح باب التبرعات التي ابتدأها السلطان بمبلغ 320 ألف ليرةـ وشاه إيران بـ 50 ألف ليرة، وتعهد الخديو عباس حلمي الثاني بتوفير كميات كبيرة من مواد البناء، وتألفت لجان في الدول الاسلامية التي يحكمها العثمانيين لجمع التبرعات، وتم إصدار طوابع بريدية بهذا المشروع الضخم، وأصدر السلطان أوامره بقطع 10% من رواتب موظفي الدولة لصالح المشروع، وجمعت جلود الأضاحي وبيعت وحولت أثمانها إلى ميزانية المشروع.
كذلك شملت التبرعات مسلمي الهند وبعض دول آسيا، وصادف المشروع عقبات كبيرة اولها نقص المياه وقد تم التغلب عليها، بواسطة حفر آبار وتزويدها بمضخات وجلبت المياه بصهاريج على طول الخط، وبسبب نقص العمال تم استخدام الجيش حيث عمل 6000 جندي و200 مهندس وكانوا يعملون بصورة مستمرة.
قطار سكة حديد الحجاز
تضاريس الصحراء وصعوبات المشروع
من العقبات الأخرى كانت السيول الجارفة التي شكلت خطورة كبيرة وحقيقية على الخط الحجازي، فقام المهندسين بعمل تصريف للمياه على طول الخط الرئيسي، وكذلك الرمال المتحركة التي شكلت عائق آخر فبني سد حجري ضيق يمتد موازياً للسكة ليحول دون وصول الرمال، وحلت كذلك مسألة الوقود، فقد تم إستيراد كميات كبيرة من الفحم، وبُنيت مستودعات كبيرة لتخزينه.
قطار سكة حديد الحجاز
مسار الخط
يبدأ الخط من دمشق وينتهي بالمدينة المنورة، وبُنيت العديد من القلاع على طول الخط، وكان معدل الإنجاز كبيراً بحيث يتم مد حوالي 182 كم بالسنة، وهو معدل كبير جدًا في ذلك الوقت، وبدأ العمل في سنة 1900 إلى سنة 1908م، وكان الخط الحجازي موازٍ لخط القوافل القديم، وقد خُصصت بعض القطع العسكرية لحمايته، ويمر الخط بعدد من المحطات، هي:
الديرة - عمان- جزا- عطرانة- القطرانة- معان- غدير الحج- تبوك مدائن صالح- الحجر - العلا لتنتهي السكة بالمدينة المنورة، وقد وصلت أول رحلة في 23 أغسطس عام 1908م، وتمت إنارة الحرم النبوي الشريف لاول مرة يوم افتتاح الخط .
قطار سكة حديد الحجاز
أُسست سكة حديد الحجاز في زمن ولاية السلطان العثماني عبد الحميد الثاني؛ لغرض خدمة حجاج بيت الله الحرام، حيث كانت الرحلة تستغرق شهورًا فأصبحت أيامًا معدودة في راحة و أمان ..
كان الخط ينطلق من دمشق، حيث يتفرع فرعين أحدهما يكمل المسير إلى الأردن، ومنها إلى الحجاز، والثاني يتجه غربا نحو فلسطين (نابلس - حيفا - عكا)، ويتفرع من حيفا خط يربط فلسطين بمصر، كما كان هناك الخط الحديدي من يافا إلى القدس؛ بهدف خدمة الحجاج المسيحيين القادمين من أوروبا.
عانى منفذو الخط من صعوبة التضاريس؛ مما اضطرهم لإقامة القناطر وحفر الأنفاق ومن أشهر تلك الأنفاق، نفق "بلعا" أو نفق "القطار العثماني" في فلسطين، وهو نفق تاريخي يعد من معالم الدولة العثمانية ، يقع في بلدة بلعا شرق محافظة طولكرم، تم انشاؤه زمن الدولة العثمانية، وكان حينها الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط، وهو جزء من خط قطار الحجاز، وقد ربط منطقة فلسطين وبلاد الشام والحجاز، يعد النفق اليوم أحد أبرز المعالم السياحية في فلسطين.
قطار سكة حديد الحجاز
وتمّ تشييد نفق القطار العثمانيّ في عهد السلطان عبد الحميد الثاني على أنقاض خربة رومانيّة وبيزنطيّة في الفترة بين عامي 1876 و1908م، وهو تحفة أثريّة عثمانيّة ومعلم تاريخيّ هامّ ، حيث يبلغ طوله 240 متراً وعرضه 6 أمتار وارتفاعه 12 متراً.
نهاية مؤسفة لخط سكك حديد الحجاز
استمر العمل بالخط حتى عام 1916م أيام الحرب العالمية الأولى؛ إذ تعرض للتخريب كي لا يستخدم في أغراض عسكرية خلال الثورة العربية الكبرى حتى تم نسفه بالكامل عام 1917م.
تعتبر سكة قطار الحجاز العثماني من أروع وأعظم إنجازات السلطان العثماني عبد الحميد الثاني و صفحة مضيئة في تاريخه.
قطار سكة حديد الحجاز
أول رحلة إلى المدينة المنورة
تم تزيين القطار المتجه الى المدينة المنورة في محلة البرامكة، وثم إحضار جذوع شجر الحور الحموي من الهامة الى البرامكة وتركيب وتثبيت الجذوع بالحبال والجنازير على شكل قوس نصر فوق القاطرة المتجهة الى المدينة المنورة، وتحركت القاطرة من محطة البرامكة الى محطة (القدم الشريف) حين اجتمع أعيان مدينة دمشق في عهد الوالي إبراهيم شكري باشا، والتقطت الصورة الفوتوغرافية احتفالا بهذه المناسبة .
تم الاحتفال بخروج أول قطار من دمشق إلى المدينة المنورة، سكة حديد الحجاز، فتم عمل مراسم احتفالية خروج اول قطار من دمشق باتجاه المدينة المنورة ، حين بدأت الرحلة التجريبية الأولى للقطار الساعة العاشرة صباحا يوم الخميس بتاريخ 20 أغسطس عام 1908م من دمشق مرورًا بجنوب سوريا الطبيعية (شرق الأردن اليوم) في يوم 21 أغسطس عام 1908م، وصولا الى المدينة المنورة يوم الأحد 23 من شهر أغسطس عام 1908م، حيث تم الإحتفال بها رسميا في الأول من سبتمبر من نفس العام بمناسبة ذكرى جلوس السلطان عبد الحميد خان الثاني على عرش السلطنة، أي بعد ما يقارب 8 سنوات من العمل ومواجهة المعوقات الداخلية والخارجية، البشرية والفنية والطبيعية والمالية تم تدشين الخط الحجازي، ووصل أول قطار من دمشق إلى المدينة المنورة قريبا من درب الحاج الشامي التاريخية.
قطار سكة حديد الحجاز
وحرص مهندسوا الخط على تغليف السكة الحديد بالصوف قُبيل المدينة المنورة ببضعة كيلومترات؛ حرصا منهم علي عدم إزعاج رسول اللهﷺ فى مرقده بالمدينة المنورة.
أستمرت الرحلات بين دمشق والمدينة المنورة 9 سنوات إلى أن قامت الحرب العالمية الأولى، حيث خاف الإنجليز من هذا الخط، وشعروا بخطورته على بريطانيا، وكان الخط من العوامل التي دعمت الجيش العثماني في فلسطين لمدة عامين وعرقلت تقدمهم؛ وبسبب هذه العوامل، وبعد نشوب الثورة العربية بقيادة الشريف حسين والتي استولت فيها على معظم مدن الحجاز، عجزت هذه القوات الثائرة من السيطرة على المدينة المنورة؛ بسبب اتصالها بهذا الخط ووصول الإمدادات المستمرة للحامية العثمانية، حيث استطاعت الصمود بعد توقف الحرب العالمية لمدة شهرين، حينها أوعز ضابط الاستخبارات البريطاني لورانس العرب إلى الشريف حسين بتخريب وتدمير الخط ونسف جسوره.
قطار سكة حديد الحجاز
كان "ناصر بن دغيثر "هو أول رجُل بدأ في تفكيك خط سكك حديد الحجاز (اسطنبول - المدينة المنورة) تحت قيادة لورنس العرب وراية الشريف حسين عدو الإمبراطورية العثمانية وصاحب الثورة العربية الكبرى.
بن دغيثر كان من مدينة الرس السعودية، وقد توفي في المستشفى العسكري بالرياض عام1987م/ 1407هـ، عن عمر يناهز 98 عاماً، قام في تفكيكها بمعاونة الإنجليز، وقد اعترف وتفاخر في أحد حواراته الصحفية بأنه أول من بدأ تفكيك خط السكك الحديدية لقطع خطوط الإمداد بين الجيش العثماني في المدينة المنورة واسطنبول، وبذلك انتهت قصة هذا المشروع ولم يتبق منه إلا بعض أطلال القلاع والسكة، وتوقف نبض القطار عن العمل نتيجة لهذه الصراعات.
قطار سكة حديد الحجاز
الأثري عبد الله إبراهيم موسى
مدير منطقة آثار مرسى مطروح للآثار الإسلامية والقبطية
قطار سكة حديد الحجاز
قطار سكة حديد الحجاز
قطار سكة حديد الحجاز
قطار سكة حديد الحجاز
قطار سكة حديد الحجاز
قطار سكة حديد الحجاز
محطة قطار دمشق روعة العمارة الإسلامية فى محطات خط الحجاز
خط سكة حديد الحجاز من سنة ١٩٠٤ حتي ٢٠٢٤م
صورة لمجوعة تقوم بتدمير وفك قضبان سكة حديد الحجاز
خريطة توثق خط سير قطار الحجاز
ناصر بن دغيثير أول من قام بتفجير خط الحجاز
الأثري عبد الله إبراهيم موسى