«جزيرة تنيس».. المدينة الغارقة بين الأساطير والتاريخ في قلب بحيرة المنزلة| صور


يُعد تل تنيس الأثري جزيرة مستقلة داخل بحيرة تُعرف باسم البشتير، ويقع في مسار الخط الملاحي الذي يربط بورسعيد بمدينة المطرية بمحافظة الدقهلية.
ويمتد الموقع على مساحة تقدر بـ 350 فدانًا، ويضم مجموعة من التلال، ترتفع تدريجيًا من شاطئ البحيرة، مغطاة بالطوب الأحمر وشقاف الفخار والزجاج الملون، وهي بقايا أنقاض المدينة.
أطلال جزيرة تنيس
وصف المؤرخين للمدينة
يقول اليعقوبي:"فأما المدن التي على ساحل البحر المالح فأولها الفرما، ثم تنيس، وهي مدينة يحيط بها البحر الأعظم المالح وبحيرة يأتي ماؤها من النيل."
ويضيف المقدسي: "هي جزيرة صغيرة قد بُنيت كلها، مدينة وهي ضيقة، والبحر عليها كحلقة ملوية."
أما ياقوت الحموي، فقد وصفها بأنها: "في وسط بحيرة مفردة عن البحر الأعظم، ويحيط بها البحر من كل جهة، وبينها وبين البحر الأعظم بر طويل أوله قرب الفرما والطينة، ويمتد غربًا حتى دمياط."
أطلال جزيرة تنيس
كانت تنيس بمثابة نقطة متوسطة بين موانئ مصر الشمالية في العصر الإسلامي: "شرقها ميناء الفرما والطينة، وغربها مدينة دمياط، مما منحها أهمية استراتيجية وتجارية كبيرة."
وتُنطق تنيس بكسر التاء وكسر وتشديد النون وأحيانا تسمى بـ «تل تنيس» أو «كوم تنيس» (بالقبطية : GENNECI) (بالإنجليزية: Tinnis) أو (بالإنجليزية: Tennis) أو(بالإنجليزية: Thennesos) أو (بالإنجليزية: Tenesos) أو (بالإنجليزية: Kom Tennis)، (باليونانية evvnoos) أو (باليونانية : evnooos) أو (باليونانية Tevedos)، (باللاتينية : Thennisus) .
وهي جزيرة مصرية تقع في محافظة بورسعيد في مصر جنوب غرب مدينة بورسعيد، وعلى بعد تسعة كيلومترات منها في بحيرة المنزلة.
أطلال جزيرة تنيس
تنيس.. كيف ظهرت وكيف اختفت؟
كانت تنيس مدينة مصرية زاهرة في العصور الإسلامية وكانت تقوم على جزيرة في الشمال الشرقي من البحيرة التي كانت تحمل اسمها في العصور الوسطى بحيرة تنيس وهي المعروفة الآن ببحيرة المنزلة حيث كان بها ميناء هاما لتصدير المنتجات الزراعية المصرية وكانت تشتهر بصناعة النسيج في مصر ونظرا لبراعة أهل تنيس في صناعات النسيج فقد كان يعهد إليهم سنويا بتصنيع كسوة الكعبة المشرفة، تعرضت تنيس للعديد من الغزوات ابان الحملات الصليبية وهي المعروفة الآن ببحيرة المنزلة، حيث أمر السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب في سنة 588 هجرية (1192 ميلادية باخلائها من السكان وألا يبقى فيها غير المقاتلة للدفاع عنها.
ومن بعده أمر السلطان الكامل محمد بن العادل الأيوبي في عام 624 هجريه الموافق 1226م بهدم المدينة وتخريبها وتهجير أهلها البالغ عددهم وقتها 50 ألف نسمة حتى لا يستطيع جنود الصليبيين الوصول عن طريقها للعاصمة، فقد كانوا حينذاك على أهبة الاستعداد بإرسال الحملة الصليبية الخامسة في سنة 630هـ/ 1219م، بقيادة جان دي بريين، فنزلت على دمياط ثم منيت بالفشل، وهكذا اندثرت مدينة من أكبر مدن مصر الصناعية والحربية في العصور الوسطى، ثم نكاد لا نجد لها ذكرا بعد ذلك إلا في بعض إشارات في كتب الرحالة الأوروبيين من هؤلاء (فرا نيكولو) Fra Niccolo da Poggibonsi في سنة 1345م، حيث يفهم مما قال أنه لم يكن بالمدينة غير القلعة تقيم بها حامية للدفاع حيث دفع لقائد هذه الحامية ضريبة عن نفسه وأصحابه، وفي سنة 1421 ميلادية القرن التاسع الهجري زارها الرحالة جيلبرت دي لانوي "Guillebert de Lannoy" فلم يجد بها إلا أنقاضا.
أطلال جزيرة تنيس
أصل الاسم والأساطير المحيطة
تعددت الروايات حول أصل اسم "تنيس"، منها: بحسب المقريزي: نُسبت إلى "تنيس بن حام بن نوح"، أو بُنيت على يد "قليمون بن أتريب بن قبطيم" أحد ملوك القبط.
أما ابن دقماق، فذكر أنها أُسست على يد تنيس أخو دمياط.
وذكر ياقوت، أنها سميت باسم تنيس بنت دلوكة، صاحبة "حائط العجوز" بمصر.
بينما قال ابن بسام إنها من بناء تنيس بنت صاين تدارس أحد ملوك القبط.
ويبدو من هذا التعدد أن هذه التفسيرات أقرب للأساطير منها إلى الحقائق العلمية المؤكدة.
أطلال جزيرة تنيس
الظهور الأول في التاريخ
ظهر اسم المدينة لأول مرة في كتابات الراهب جون كاسان في أواخر القرن الرابع الميلادي (380–390م)، حيث قال: "وصلنا إلى مدينة مصرية تدعى Thinnesus، يحيط بها الماء من جميع جهاتها؛ بحر ومستنقعات ملحة".
وقد خمنت بعض الدراسات الغربية، مثل تلك التي قام بها Champollion، أن الاسم مشتق من الكلمة المصرية "Ta-n-Isis" وتعني مدينة الإلهة إيزيس، بينما رجّح آخرون أنها مأخوذة من الكلمة اليونانية "Νῆσος - نيسوس" (جزيرة)، وأضافت اللغة القبطية "تاء" التأنيث لتصبح "تنيسوس".
أطلال جزيرة تنيس
مركز ديني وتجاري
في القرن الخامس الميلادي، أصبحت تنيس أسقفية تحت سلطة بطريرك الإسكندرية. وشارك أساقفتها في مجامع دينية شهيرة مثل:
ـ هيركليدس Herakleides في مجمع أفسس (431م)
ـ هيرون Heron في مجمع خلقيدونية (451م)
كما ذُكرت تنيس في فسيفساء مادبا بالأردن كواحدة من المدن المقدسة، ما يعكس أهميتها الروحية آنذاك.
أطلال جزيرة تنيس
النشاط الاقتصادي
عمل سكان تنيس في التجارة وصيد الأسماك وصناعة النسيج، وسكنوا بيوتًا بسيطة من البوص والغاب، لم تكن المدينة ذات شأن كبير خلال العصر الروماني، لكنّها بدأت بالنمو ربما في عهد الإمبراطور دقلديانوس مع إعادة تنظيم الأقاليم المصرية.
أطلال جزيرة تنيس
الواقع الأثري
حتى اليوم، ما زالت بقايا المدينة قائمة على هيئة تلال أثرية بارزة وسط بحيرة البشتير، وتُعد واحدة من أكبر التلال الأثرية في دلتا النيل.
وتنتظر المدينة مشروعًا حقيقيًا للكشف عنها وتنميتها سياحيًا، فهي نموذج مصري فريد لمدينة "غارقة جزئيًا" ومحاطة بطبيعة مائية خلابة، لكنها منسية.
الأثري عبد الله إبراهيم موسى
مدير منطقة آثار مطروح للآثار الإسلامية والقبطية
أطلال جزيرة تنيس
الأثري عبد الله إبراهيم موسى