سحر صالح رزق تكتب.. حدث بطائرتي


وأنا على مقعدي المتوسط بين مقعدين على تلك الطائرة الكبيرة الحجم، كُنتُ أختلس النظر إلى كلا الرجلين الجالسين عن يميني وشمالي، وكانت رحلةً طوية، مما جعلهما يبدأ تجاذُب الحديث غير مبالين بمقعدي المتوسط بينهما، وما هي إلا دقائق حتى كادا أن يشبَ الشجار فكل منهما يتباهى بأرض موطنه قائلًا إنها الأفضل والأعظم، حتى إلتفتا نحوي قائلين: نسألكِ بالذي أرسل النبي العدنان استمعي إلى كلانا واقسطي التحكيم، وأخبرينا من منا بلاده سمائها وأرضها جنان ومائها سلسبيل.
فبدأ الأول قائلًا: هل سمعتي عن وطننًا يسمى بداية الحياة ومنهُ انطلقت كل حضارات الانسان، هل قرئتي عن ذاك الجبل المذكور بالقرآن وسمعتي بتجلي الرب لموسى الرسول بأعظم مكان، أنا.. الراسخ القوي العالم الوقور.. بلادي شمسها ساطعه.. تنير للعالمين، وأرضي للسماحة والسلام والطيبة مثال، وشعبها القوي المُهاب الودود الكريم، من يسكن أرضنا تأثره الرحابة والبشاشة فهو بحضن أم الدنيا يقيم، لدينا الأهرامات شاهدة وأبو الهول عجز عن حل رموزه علماء كل العصور، ونهر النيل خالدًا جاريًا يسقي الغريب والبعيد كبساط أخضر ساحر كاسيًا مصر بالأريج.
أنا، مهد الحضارات وتراب أرضي مشى فوقها كم نبي أمين، وطني أمان الخائفين، ألم يقل الله ادخلوها بسلام أمنين، هذه القاهرة التي تقهر بمجدها وتاريخها كل حاسد وبثبات وقوة تسير، وزانها الأزهر الشريف منارة وعلمًا ومهابة فهذه أرض الخير وبها أوصى طه الأمين، وهُناك المآذن والقباب عالية دالة على مجد سكنها من سنين، وأجراس الكنائس في كل مكان فجميعنا يد واحدة لأبناء وطنً عظيم، وهذا التاريخ سجل أمجاد عبرت خط برليف، عبروه وحطموا أسطورة الغرب وغدًا كل مصري للعزم وللتحدي حليف، وبأرضِ سيناء كان نصرنا ورفعنا رايات مصر وحفظنا الحدود، رجالها أسود يسقون أرضها بدماء وبذلك قطعوا العهود، ويا ويل من جاء لعدائنا فأرضنا لهم مقابر ومقامع من حديد، كيف لا.. فهذه مصر الصمود، أنا لستُ هاذيًا ولا مغرورًا ولا حالمًا، ولكن يُحق لي أن أفخر بمصر محرقة كل حقود.
وهنا.. التفت إليه الأخر قائلًا: بذكر بلادي لن ولن تكفيني الوصوف، أرض حباها الله واختارها لبيته المعمور.. وجعل أفئدة العالمين لها في كل مكان تتوق، وبها منبر أحمدًا وروضةً من جنة هذا قول النبي الصدوق، وإذا تفاخر بالطور جبلًا فلدينا أحد من الجنة تغني عنه الوصوف، وإذا قال أن نور أرضه للحضارات شمسًا، فمن مكة سطع شعاع نورًا أضاء السموات قبل أي أرض تكون، وإذا تفاخر بقاهرة، فأنا.. بطيبة الطيبة وبمدينتي أعلى بالفخر والوصوف، واذا قال من أرضه أشرقت شمس العلم والحضارات فمن أرضي عِلم محمد وصحبه نورًا لا يعلوه نور، وإذا تباهى بجنود هم خير جنود فأنا أقول اسألي البقيع وشهداء أحد عن أقوام عانقت السيوف، وإذا قال لك الأزهر فمن أرضي أساس العقيدة ومهبط الوحي بالذكر الكريم، بالله عليك أُحكمي بقسط من فينا للمجد أفضل.. وللعز أقدم، أجيبي بلا ميل أو استحياء أو تقصير.
فأخذتُ نفسًاً عميقًا قائلهً: هل تقبلا بتحكيمي دون تفريط، هزأ رأسيهما نعم فيبدوا أنك من نسل أصيل، قُلت لهما: أنا الأفضل من كلاكما فلقد جمعتُ كل المحاسن التي بهما تفخران أيها العظيمان، فأبي سعودي الأصل من مدينة الرسول محمد جد عن جد ومعي بهذا دليل وبرهان، وأمي مصرية البلد من أرض أوصى بها نبينا فمنها سيدتنا ماريه أم إبراهيم، أتراكما أيقنتما أني جمعت تلك المحاسن والكمال وهذا كرم الإله العليم.
فـ مصر والسعودية هما شمسا الدنيا وقمرها ولا يوجد لهما بديل، فنظرا إليّ قائلين: لمثلك ننحني باحترام وتبجيل، فلقد جمعتي المحاسن وكل أصل نبيل.
وما هي إلا دقائق وأعلن النداء أن اقتربت طائرتي من الهبوط وانتهى الخلاف وعلما كل منهما أنهما جناحين لطائر واحد لا يقبل التقسيم.