هشام بيومي يكتب: من الفقر إلى قمة


في زمن تتغير فيه الظروف وتتفاوت فيه الفرص، يبقى الأمل والعمل الجاد هما السلاح الحقيقي لأي شاب طموح. فليس النجاح حكرًا على أصحاب المال أو العلاقات، بل هو نتاج الإصرار، والصبر، والرغبة في التميز. وقصة رجل الأعمال المصري محمود العربي هي الدليل القاطع على أن العزيمة يمكن أن تهزم الفقر، وأن الحلم يمكن أن يتحول إلى واقع يفوق كل التوقعات.
ولد محمود العربي عام 1932 في قرية "أبو رقبة" بمحافظة المنوفية، وسط أسرة بسيطة تعاني من ضيق الحال. لم تكن طفولته مريحة، بل اضطر إلى العمل منذ سن مبكرة لمساعدة أسرته، حيث بدأ في بيع الأدوات المدرسية في عمر العاشرة. كانت هذه التجربة البسيطة أول خطواته في عالم التجارة، لكنها زرعت في داخله بذور الطموح والتفكير التجاري المبكر.
بعد انتقاله إلى القاهرة، عمل في متجر صغير، وتعلم أصول البيع والشراء، وكيفية التعامل مع الزبائن والموردين. ورغم صعوبة الحياة، لم يتخلَّ محمود العربي عن حلمه بأن يكون له متجره الخاص. وبالفعل، نجح في توفير رأس مال صغير، وافتتح أول محل له في حي الموسكي، أحد أهم أسواق الجملة في القاهرة.
لكن العربي لم يكتفِ بتجارة الأدوات المكتبية، بل كان دائم البحث عن الفرص الجديدة. ومع انفتاح السوق المصري في سبعينيات القرن الماضي، رأى فرصة ذهبية في تجارة الأجهزة الكهربائية. وفي عام 1974، سافر إلى اليابان، وتمكن من إقناع شركة توشيبا العالمية بالدخول إلى السوق المصري من خلاله، بعد أن أبدى حماسًا وقدرة كبيرة على التسويق والتوزيع.
هكذا وُلدت شراكة عربية – يابانية ناجحة، تُوجت بتأسيس شركة "توشيبا العربي"، التي تحولت لاحقًا إلى مجموعة العربي، إحدى أكبر الكيانات الصناعية والتجارية في مصر والشرق الأوسط. لم يكن العربي مجرد وكيل تجاري، بل حرص على بناء مصانع محلية لإنتاج الأجهزة داخل مصر، مما وفر الآلاف من فرص العمل وساهم في دعم الاقتصاد الوطني.
ما يُميز محمود العربي لم يكن فقط نجاحه المالي، بل قيمه وأخلاقه التي ظل متمسكًا بها حتى وفاته في 2021. عُرف عنه الورع والتقوى، وحرصه على دعم العاملين معه، فكان يعتبر الموظفين شركاء لا أُجراء. كما أنشأ مشروعات خيرية ومدارس ومستشفيات تخدم مجتمعه، دون ضجيج إعلامي أو بحث عن شهرة.
تُعد قصة محمود العربي رسالة واضحة لكل شاب يحلم بالنجاح. لم تكن لديه شهادة عليا، ولا دعم سياسي، ولا ميراث ضخم. كل ما كان يملكه هو إرادة لا تعرف الانكسار، وضمير حي، وطموح لا يتوقف. لم يخجل من بدايته البسيطة، بل جعلها وقودًا يدفعه نحو القمة.
نتعلم من حياة الاسطورة محمد العربي ان الانسان لا ينتظر الفرصة، بل يصنعها.
و ان كل العظماء بدأوا من الصفر. والقيم والأمانة ليست عوائق للنجاح، بل هي أساسه.
يقول العظيم محمود العربي . "ما كسبته من التجارة لم يكن أهم من حب الناس واحترامهم، فذلك هو الرصيد الحقيقي."
هذه المقولة تعبر عن إيمانه بأن القيم والأخلاق هي الأساس في النجاح، لا المال وحده.
في النهاية، تبقى سيرة محمود العربي نبراسًا يلهم كل من فقد الأمل، ويُعيد رسم الطريق أمام كل من يحلم بأن يكون شيئًا عظيمًا في هذا الوطن.