هشام بيومي يكتب: ”عزيزة شكري: قصة امرأة كسرت السقف الزجاجي وألهمت الأجيال”


في زمن كانت فيه أصوات النساء تُهمس ولا تُعلن، وخطواتهن تُراقب لا تُشجّع، خرجت من قلب مصر امرأة اختارت ألا تمشي على الدرب المرسوم لها، بل رسمت دربها الخاص، ومشت فيه بثقة وقوة، تاركة خلفها أثراً لا يُمحى. إنها ليست مجرد قصة نجاح، بل قصة إرادة. قصة امرأة آمنت أن للعلم سلطة، وللصوت قيمة، وللعمل الدبلوماسي بريقٌ لا يجب أن يكون حكرًا على الرجال.
إن الشباب اليوم يعيشون في عصر الفرص، لكنهم في الوقت نفسه يواجهون تحديات من نوع آخر: التشتت، قلة القدوة، انهيار الإيمان بالذات، وشعور بأن النجاح بات امتيازًا لا يُمنح إلا لقلة محظوظة. وهنا، تأتي قصص مثل قصة السفيرة عزيزة شكري لتعيد التوازن إلى هذا الإدراك، ولتثبت أن من يسير نحو هدفه بإصرار، لا بد أن يصل.
السفيرة عزيزة شكري لم تكن فقط أول سيدة تمثل مصر في الأمم المتحدة، بل كانت رمزًا للتمرد الإيجابي، والعقل الذي لا يرضى بالقوالب الجاهزة. لم تنتظر أن يُفسح لها المجال، بل خلقته. لم ترفع راية النسوية على حساب الكفاءة، بل جعلت من الكفاءة طريقها لرفع راية المرأة.
فلنغُص معًا في حياة هذه الرائدة، لنستلهم من خطواتها إيمانًا جديدًا بالذات، ونُوقظ فينا الحلم الذي ربما نام طويلًا.
من هي السفيرة عزيزة
ولدت في أوائل القرن العشرين، في بيئة محافظة، لم تكن فيها الأبواب مفتوحة بسهولة أمام النساء. لكن ذلك لم يمنعها من التميز الدراسي المبكر، فقد التحقت بالتعليم العالي في فترة كان فيها عدد الطالبات على أصابع اليد. درست العلوم السياسية والعلاقات الدولية، وتميزت بذكاء لافت، وقدرة على التحليل، وثقة بالنفس كانت كالسيف تمضي في أصعب الظروف.
تم تعيينها لاحقًا كأول سفيرة مصرية تمثل البلاد في الأمم المتحدة، وهو منصب كان حتى ذلك الحين محصورًا في الرجال. بهذا التعيين، لم تُمثل فقط الدولة المصرية، بل مثّلت ملايين النساء اللواتي حُرمن من تمثيل أصواتهن في المحافل الدولية.
محطات من الإنجاز والإلهام
1. اختراق السلك الدبلوماسي: في زمن لم يكن يُسمح فيه للنساء بسهولة دخول السلك الدبلوماسي، أثبتت عزيزة شكري أن الدبلوماسية ليست حكرًا على نوع، بل على كفاءة. اجتازت الاختبارات، وأثبتت نفسها بين زملائها الرجال.
2. التمثيل الدولي: شاركت في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكانت صوتًا حاسمًا ومثقفًا لقضايا العالم العربي، خصوصًا قضايا فلسطين، وقضايا التنمية، وحقوق الإنسان. لم تكن مجرد ممثلة رسمية، بل مفكرة وصاحبة رؤية.
3. الريادة النسائية: مهدت الطريق لعشرات الدبلوماسيات المصريات والعربيات. لم تكن فقط سفيرة لدولة، بل سفيرة لأمل النساء في التمثيل، والمشاركة، وصناعة القرار.
رسائلها إلى الأجيال من بعدها:
الإرادة تصنع المستحيل: لم يكن الطريق مفروشًا بالورود لعزيزة شكري، بل كان محفوفًا بالحواجز المجتمعية، والتحديات المهنية. لكنها تغلبت على كل ذلك بالإصرار.
الكفاءة لا تعرف نوعًا: تفوقت على نظرائها الذكور ليس لأنها أرادت تحديهم، بل لأنها آمنت بأن الإنسان لا يُقاس بجنسه بل بإنجازه.
الصوت الواحد يمكن أن يُغيّر التاريخ: وجودها في الأمم المتحدة كان دليلاً على أن فردًا واحدًا يمكن أن يُغير صورة وطن بأكمله.
لماذا يجب أن يعرف الشباب اليوم عزيزة شكري؟
لأنها تمثل النموذج الحي على أن النهوض لا يكون فقط في ساحات المشاهير أو رجال المال، بل في ساحات الفكر، والدبلوماسية، والعمل الهادئ الذي يصنع التأثير الحقيقي. في عالم يزداد ضجيجه، تبقى قصص مثل قصة عزيزة شكري ضوءًا هادئًا لكنه ثابت، يرشد الباحثين عن معنى للنجاح الحقيقي.
أيتها الشابة… أيها الشاب… إن العالم لا ينتظر منكم أن تكونوا نسخًا مكررة من أحد، بل أن تكونوا "أنتم"، على طريقتكم، وبصوتكم، وبرؤيتكم. وإذا شعرت يومًا أن الطريق صعب، تذكّر أن سيدةً مصرية منذ عقود، شقت طريقها في دهاليز السياسة العالمية، ورفعت علم مصر بصمت وكفاءة. اسمها عزيزة شكري… واسمك قد يكون التالي في صفحات المجد.