الخميس، 31 يوليو 2025 08:09 مـ
بوابة المصريين

رئيس الحزب د. حسين ابو العطا

مقالات الرأي

هشام بيومي يكتب: ملاك الإنسانية

هشام بيومي
هشام بيومي

في عالم يبحث فيه الشباب عن قدوة، وعن معنى لحياتهم في وسط زحام الماديات، وغياب الأمل، تبرز بعض الشخصيات الحقيقية كنموذج يُثبت أن العظمة ليست حكرًا على من ساروا على الطرق المألوفة، بل على من شقّوا لأنفسهم طريقًا جديدًا، بخطى ثابتة وقلب نابض بالرحمة.

هذه قصة تلهم كل من يبحث عن رسالته. قصة شابة اختارت ألا تعيش في ظل شهرة والدها فحسب، بل أن تصنع ظلًا خاصًا بها، يقي الآخرين من وهج المعاناة… إنها الدكتورة صوفي مجدي يعقوب، التي كتبت فصلًا جديدًا في كتاب الإنسانية، ولكن بقلمها

بعكس ما قد يتوقعه البعض، لم تتخصص صوفي في جراحة القلب كوالدها الأسطوري البروفيسور مجدي يعقوب، بل اختارت مجالًا أكثر صعوبة وغموضًا… الأمراض المعدية. لم يكن هذا القرار وليد المصادفة، بل تعبيرًا عن شعور عميق بالمسؤولية تجاه الفئات الأكثر ضعفًا وتهميشًا في العالم.

منذ تخرجها، لم تنتظر صوفي منصبًا أو شهرة، بل انطلقت في رحلة إنسانية استثنائية، حملت خلالها حقيبتها الطبية وذهبت إلى حيث الألم يتجاهله الجميع. عملت في كينيا وتنزانيا، وسافرت إلى قرى نائية في آسيا، إلى أن استقر بها المقام في فيتنام، حيث تقيم حاليًا وتكرّس حياتها للمساعدة في التصدي لوباء حمى الضنك.

هذا المرض الذي يصيب نحو 500 مليون إنسان سنويًا، ويتسبب في أزمة صحية عالمية، واجهته صوفي بشجاعة، فكانت من أوائل الأطباء الذين تصدوا له ميدانيًا. لم تكن مجرد باحثة أو متخصصة، بل كانت في الصفوف الأولى، تحمل المعدات الطبية في يد، والأمل في اليد الأخرى.


ورغم اختلاف المسارين المهنيين بين صوفي ووالدها، يجمعهما الكثير. فبينما اختار الأب أن يُصلح القلوب، اختارت الابنة أن تُنقذ الأجساد من الأمراض الصامتة. كلاهما أنقذ الأرواح، وإن اختلفت الأدوات.

وربما كانت روح الدعابة الجميلة بينهما أصدق تعبير عن هذا الترابط، حين تقول صوفي ممازحة والدها:
"إيه اللي بتعمله ده! بس بتعالج شوية ناس؟ بنتك بتشتغل على نص مليار إنسان!"
ضحكة تقول الكثير… عن تفاخر الأب، وعفوية الابنة، وعن عمق المعنى الذي يجمعهما: الطب من أجل الإنسان.

اليوم، لا تُعد صوفي مجرد طبيبة، بل رمزًا لجيل جديد من الأطباء الذين لا تهمهم الأضواء بقدر ما يهمهم الأثر. إسهاماتها أصبحت جزءًا من حملة علمية وطبية شاملة تهدف إلى التصدي للأمراض المعدية التي تفتك بالملايين في صمت.

وهي بذلك تُجسد المعنى الحقيقي للعطاء: لا حدود، لا جنسيات، لا أهداف ذاتية. فقط إنسان أمام إنسان، وواجب لا ينتظر مقابلًا.

ما أحوجنا اليوم إلى قصص مثل قصة صوفي مجدي يعقوب. إلى شباب يُدرك أن النجاح لا يُقاس بعدد المتابعين، ولا بلمعان الألقاب، بل بالأثر الحقيقي في حياة الناس.

صوفي لم ترَ في اسم والدها عبئًا، بل رأت فيه شرفًا ورسالة، وقررت أن تمضي في طريقها، ولكن بأسلوبها الخاص، وبشجاعة من يعرف أن العالم بحاجة إليه.

لا تخشوا أن تسلكوا طريقًا مختلفًا.

لا تخافوا من أن تبدأوا من الصفر.

واعلموا أن التأثير الحقيقي لا يحتاج إلى كاميرات، بل إلى قلوب نابضة بالإيمان بأن التغيير يبدأ بكم.


صوفي يعقوب ليست فقط طبيبة متخصصة في الأمراض المعدية، بل صوت من أصوات الرحمة العالمية، تنير أماكن لا تصلها الأضواء. اخترقت جدران التهميش والموت البطيء، ومدّت يدها لإنقاذ من لا صوت لهم.

في زمن فقدنا فيه الكثير من النماذج، تأتي صوفي لتقول:
"ما زال هناك أمل… ما زال هناك من يؤمن أن الطب ليس مهنة، بل رسالة، وأن الإنسانية لا تحتاج جنسية أو حدود."

فهل ستكون أنت… صوفي جديدة؟
أو ربما… مجدي يعقوب آخر؟

مقالات الرأي

آخر الأخبار