د. أميرة محمد تكتب: الوقوف البناء


لازلت اتوالى معكم في قراءة كتابنا المختار الذي لازال قسمه الأول بصفحاته البراقة تستوقفني مليا، فلنكمل سويا قراءتنا من جديد، وهنا اود الحديث عن مرحلة معينة يمر بها معظم الأطفال، ألا وهي الوقوف البناء، نعم الوقوف البناء، فتلك هي التسمية الأنسب لذلك الوقوف من وجهة نظري المتواضعة، فالطفل منذ مراحله الأولى وهو يتم تعليمه ومساعدته ممن حوله، سواء الأهل خاصة، أو المجتمع عامة.
بعد عدة شهور من ولادة الاطفال تحرص كل أم على مساندة طفلها لتعليمه الوقوف على قدميه، وذلك الوقوف يعد اللبنة الأولى في الوقوف البناء الذي اثرت الحديث عنه، فالطفل هنا يستجيب بالتدريج ويقف لدقائق قليلة تزيد تدريجيا كلما تمر الأيام، لكن ما يجعله يقف هو اطمئنانه؛ لوجوده بين ذراعي أمه أو من ينوب عنها أنداك، ويظل ذلك المشهد الرائع الذي يؤثر القلوب، اصدق مثال معبر عن الآمان تراه الأعين، في تلك الحياة التي باتت مليئة بالمخاوف.
والوقوف البناء هو ذلك الذي يضطر الطفل فيه للثبات على قدميه وحيدا دون أن يمسك بيديه أحد، وهو الذي لو لم يتعرض له الطفل لما كنا رأينا احد من بني البشر يسير على قدميه، فقد تجد مشهد أمام عينيك لأم تترك ابنها الصغير بعد أن تثبت قدميه على الأرض وتبتعد عنه رويدا رويدا والطفل يبدأ في البكاء وهنا ترى الأم رغم ما عرف عنها من حنو على أبنائها لا تهرع إليه لتسكته بل تحاول أن تجذبه ليتحرك ويتجه إليها تارة بالكلمات وأخرى ببعض الحركات مثل فرد ذراعيها لتعلمه أنها في انتظاره، وفي البداية لا يكون الطفل مكترث بأي شيء سوى البكاء ليسترق قلوب من حوله لمساعدته ، وبعد محاولات عديدة من الطفل في استرقاق قلب أمه أو من حوله ييقن الطفل أنه لا فائدة من ذلك، ويجب عليه أن يساعد نفسه ليصل الى الآمان الذي اعتاد عليه، وهنا تبدأ المرحلة الحقيقية للوقوف البناء عند قيام الطفل بأول خطوة يخطوها بقدميه وهو وحيد لا يمسك بيديه احد، وقد لا ينجح الطفل في المرة الأولى لكن من المؤكد أنه سينجح في المرة التالية أو التي تتلوها حتى يستطيع توالي الخطى والسير سويا بمفرده إلى أن يعدو وبسرعة؛ لينافس الجميع.
فهذا هو الوقوف الحقيقي الذي أصبحنا اليوم بحاجه ماسه إليه، ولا اقصد أن تكون امهاتنا أو ابائنا أو المقربين إلينا يفردون اذرعتهم لنا لنطمئن ونقف بصورة سوية ثم نخطو تجاههم للشعور بالآمان، لا بل ما قصدته هو تذكر تلك الوقفة التي من المؤكد أن كلن منا وقفها يوما ما وهو صغير لا حول ولا قوة له، وبفضلها تعلم المشي والجري، فمتى تعرضت لمصاعب ومصائب ربما تظن أنك لا تستطيع بعدها الاستمرار في الحياة فكما هو حال الطفل عند الوقوف تبدلت دمعاته وبكاءه الى بسمات وضحكات، لكن هذا كله بفضل سلاح صغير فتاك ألا وهو المثابرة والتكرار، التي موجودة بداخل الانسان لكن مع ظروف الحياة قد تغيب أحيانا، لكنها تشرق من جديد متى أراد الانسان ذلك، فلتتذكر دوما تلك الصورة وحتما واكيد أنك لن تنهزم ابدا.
فمتى كنت وحيد وقلبك بالأحزان مريض، فلتتذكر عندما كنت محاط بالرعاية والقبلات ثم فجعت بالوقوف بثبات تستجدي النظرات؛ كي تلقى المساعدات، فلم تستسلم للأزمات وهنا كانت أولى الخطوات لتكتشف العالم بثبات.
























