الإثنين، 21 يوليو 2025 09:36 صـ
بوابة المصريين

رئيس الحزب د. حسين ابو العطا

مقالات الرأي

هشام بيومي يكتب: حين يصبح العلم طريقًا للإلهام

بوابة المصريين

في عالم يشتد فيه الغزو الثقافي وتتعدد فيه المؤثرات التي تسعى لسلب الشباب هويتهم وقيمهم، تصبح القدوة أكثر من مجرد شخصية ناجحة؛ إنها درع حماية، ونقطة ضوء في دروب الحيرة والضياع. إن شبابنا اليوم يتعرضون لكمٍ هائلٍ من النماذج الزائفة والمضللة التي تُروَّج عبر وسائل الإعلام، وتُجمَّل لتبدو وكأنها المعيار الوحيد للنجاح والحياة العصرية.

وفي خضم هذا الصخب، يصبح من الضروري تسليط الضوء على الرموز الحقيقية التي تنتمي لأرضنا وثقافتنا، والتي وصلت إلى العالمية من بوابة العلم والعمل والإخلاص. فحين يرى الشاب من أبناء بلده من يرتقي بأدوات العلم لا بأضواء الشهرة، ويصنع المجد بعرق الجبين لا بسطحية المشهد، عندها يستعيد ثقته بذاته وبمجتمعه، ويختار القدوة الصحيحة التي تقوده إلى البناء لا الهدم.

ومن بين هذه النماذج المضيئة، يبرز اسم الدكتور عصام حجي، العالم المصري الذي جمع بين الشغف العلمي، والانتماء الوطني، والالتزام الأخلاقي. هو ليس فقط عالم فضاء يعمل في أكبر الوكالات العلمية في العالم، بل هو رمز للشباب الذي انتصر على التحديات، وجعل من المعرفة سلاحًا في وجه التهميش والتشويه.

وُلد عصام حجي في القاهرة عام 1975، في بيتٍ محب للعلم والفن، حيث كان والده المصور السينمائي الشهير محمد حجي، وأمه فنانة تشكيلية، الأمر الذي جعله ينشأ وسط بيئة تغذي الشغف والإبداع. منذ نعومة أظافره، أظهر عصام ميلًا واضحًا نحو العلوم، وكان مولعًا بالسماء والكواكب، حتى قرر أن يتخذ من دراسة الفضاء حلمًا لحياته.

بدأت رحلته العلمية بتحديات كبيرة، أهمها ضعف مستواه في اللغة الإنجليزية، لكنه لم يستسلم، بل جعل من كل عقبة سُلّمًا نحو القمة. سافر إلى فرنسا ليدرس هناك، وواجه صعوبات الغربة واللغة والعوائق الثقافية، لكنه اجتازها جميعًا بالإصرار والاجتهاد، حتى حصل على درجة الدكتوراه في علوم الفضاء من جامعة باريس.


وصل عصام حجي إلى وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، ليعمل ضمن فريق العلماء المتخصصين في أبحاث المياه على المريخ والكواكب الأخرى. كان هدفه الأساسي هو دراسة إمكانية وجود مياه في أماكن بعيدة عن الأرض، بهدف خدمة الإنسانية ومعرفة أوسع بالكون.

يُعدّ الدكتور حجي من أبرز الباحثين في مجال استكشاف المياه تحت سطح الأرض والأنهار الجليدية، وساهم في تطوير تقنيات متقدمة تستخدمها ناسا في دراسة الكواكب. وقد شارك في مشاريع كبرى مثل المريخ والمشتري وأقمار زحل، مما جعله أحد العلماء العرب القلائل الذين رفعوا اسم مصر عاليًا في مجال علوم الفضاء.


لم يكن عصام حجي عالمًا فحسب، بل كان دائمًا صوتًا للعلم والمعرفة، وناقدًا للأوضاع التي تعيق التقدم العلمي في العالم العربي. دعا في أكثر من مناسبة إلى إصلاح التعليم، والاهتمام بالبحث العلمي، والاستثمار في العقول الشابة.

ورغم الفرص العالمية التي أُتيحت له، لم ينسَ جذوره المصرية، بل عمل على إنشاء مبادرات تعليمية تهدف إلى نشر علوم الفضاء في مصر والعالم العربي. كما قدم محاضرات ملهمة في العديد من الجامعات، مخاطبًا الشباب بلغة بسيطة، محمّلة بالأمل والطموح، ليقول لهم: "أن تكون مصريًا لا يمنعك من أن تكون عالمًا عالميًا."

يمثل الدكتور عصام حجي النموذج الحقيقي للشاب العربي الطموح الذي يؤمن بأن العلم هو مفتاح التغيير. قصته تلهمنا بأن النجاح ليس حكرًا على أحد، وأن العوائق مهما كانت قاسية، يمكن تجاوزها بالعمل والمثابرة.

في إحدى مقابلاته، قال:
"لم أكن أذكى شخص في فصلي، لكني كنت أكثرهم إصرارًا على النجاح."
هذه الجملة تكفي لتلهم آلاف الشباب الذين يظنون أن النجاح حكرٌ على من ولدوا في ظروف مثالية.

نحن بحاجة اليوم إلى نماذج حقيقية مثل الدكتور عصام حجي، لا لتُعلّق صورهم على الجدران، بل لنتعلم من مسيرتهم كيف نصنع التغيير في واقعنا. أن نؤمن بأن العلم ليس رفاهية، بل ضرورة، وأن الحلم لا يعترف بالحدود ولا بالجغرافيا.

تأمل في قصة عصام حجي، وتأمل في ذاتك. كل ما تحتاجه هو أن تؤمن بقدرتك، أن تزرع فيك شغف العلم، وتصبر على طريق النجاح. لا تخف من الفشل، ولا تنظر لما تملكه اليوم، بل لما يمكنك أن تحققه غدًا.

فالعالم لا ينتظر المترددين، بل يمنح مكانه لأولئك الذين يحلمون ويعملون… مثل الدكتور عصام حجي.

مقالات الرأي

آخر الأخبار