الثلاثاء، 4 نوفمبر 2025 04:47 صـ
بوابة المصريين

رئيس الحزب النائب المستشار/ حسين أبو العطا

مقالات الرأي

هشام بيومي يكتب: حين يقتل الصامتون

بوابة المصريين

كشفت أجهزة الأمن مؤخرًا عن واحدة من أبشع الجرائم التي هزّت الرأي العام في الجيزة، حين أقدم صاحب محل أدوية بيطرية على قتل سيدة وأطفالها الثلاثة بعد علاقة غير شرعية جمعت بينهما. جريمة مكتملة الأركان من حيث التخطيط والبرود، لكنها أكثر إيلامًا لأنها خرجت من شخص "عادي"، بلا سوابق، بلا تاريخ إجرامي، بل من بيئة تبدو مستقرة.
هنا يصبح السؤال العلمي والإنساني الأهم: كيف يمكن لإنسانٍ بلا ماضٍ إجرامي أن يتحوّل فجأة إلى قاتل بدمٍ بارد؟

تشير ملامح القاتل إلى شخصية نرجسية متملكة تعاني من اضطراب في إدراك العلاقات الإنسانية.
النرجسي لا يرى في شريكه العاطفي إنسانًا مستقلًّا، بل مرآة لذاته. وحين يشعر بالخذلان أو الفقد، لا يتعامل معه كألم يمكن تجاوزه، بل كإهانة تمسّ كرامته الوجودية.
هذا ما يسمى في علم النفس بـ "الجرح النرجسي" (Narcissistic Injury)، وهو شرارة تدفع بعض الأفراد إلى ردود فعل مدمّرة، خصوصًا إذا كانوا يحملون سمات من الشخصية المعادية للمجتمع (Antisocial Personality Traits) التي تتسم بانعدام الضمير وغياب التعاطف.

قبل ارتكاب الجريمة، عاش القاتل حياة تبدو "طبيعية". لم يسجل ضده أي سلوك عدواني ظاهر، وكان محاطًا بواجهة اجتماعية مستقرة.
لكن هذا لا يعني أن داخله كان متزنًا؛ فالكثير من الأفراد ذوي الاضطرابات النرجسية أو السادية الكامنة يعيشون حياة هادئة ظاهريًا، بينما تتراكم بداخلهم مشاعر الاستحقاق المَرَضي، والغيرة، والشك، والتملك.
ومع كل خذلان عاطفي، تتكوّن "قنبلة نفسية مؤجلة"، تنفجر عندما يُفقد الإحساس بالسيطرة على الآخر.

ما يميز هذه الجريمة هو الهدوء التنظيمي بعد التنفيذ: نقل الضحية إلى المستشفى، استخدام هوية مزيفة، ثم التخلص من الأطفال واحدًا تلو الآخر بأسلوب منظم.
هذا السلوك لا يصدر عن شخص في حالة غضب عشوائي، بل عن عقل سيكوباثي بارد قادر على التخطيط دون تعاطف.
يشير هذا إلى أن الجريمة لم تكن مجرد "لحظة جنون"، بل انفجار طويل التحضير داخل نفس مشوهة فقدت الإحساس بالذنب منذ زمن.

علم النفس الجنائي يفرّق بين نوعين من القتلة:

1. القاتل الاعتيادي: وهو من يملك سجلًا عنيفًا وسلوكًا إجراميًا واضحًا.


2. القاتل العرضي (Situational Killer): وهو من يعيش حياة عادية لكن يتحول تحت ضغط نفسي حاد أو خيانة عاطفية أو أزمة وجودية إلى قاتل.

النوع الثاني هو الأخطر، لأنه لا يُتنبأ به.
هؤلاء يعيشون داخل المجتمع بشكل طبيعي، لكنهم يحملون نقاط ضعف انفعالية عميقة، ومع غياب الدعم النفسي أو التربية العاطفية السليمة، يمكن أن تنفجر في لحظة واحدة.

من منظور علم النفس التحليلي، يمكن القول إن القاتل كان يعيش صراعًا بين صورتين:

صورة "الذات الاجتماعية" التي يظهر بها أمام الناس: شاب ناجح، محترم، صاحب مهنة.

وصورة "الذات المريضة" التي تحمل في داخلها عقدة الخذلان، والاحتياج إلى السيطرة، والخوف من الفقد.


وعندما اصطدمت الصورتان بحقيقة الخيانة أو الانفصال، انهار التوازن الداخلي، فاختار القاتل طريق "المحو الكامل" كحل وهمي لاستعادة ذاته.

هذه الجريمة لا تدعونا فقط إلى الغضب، بل إلى تأمل صامت في هشاشة النفس البشرية.
ليس كل القتلة يولدون وحوشًا، بعضهم يتحولون ببطء في صمت، عندما يعجزون عن احتواء الألم.
إنها تذكرة قاسية بضرورة نشر الوعي النفسي في المجتمع، وتعليم الأفراد منذ الصغر كيف يتعاملون مع الخذلان، وكيف يُفرغون الغضب دون أن يتحوّل إلى دمار.

مقالات الرأي

آخر الأخبار