هشام بيومي يكتب: ”حين يصبح المسبح شاهد قبر ”


هل يُعقل أن يموت طفل مصري في قلب منشأة رياضية رسمية، وبين أنفاس جمهور يهتف للبطولات، دون أن يشعر به أحد…؟
هل يُعقل أن يغيب طفل اثنتي عشرة سنة تحت الماء، في بطولة اسمها “بطولة الجمهورية”، فيما المسؤولين عن البطولة نفسها غائبين …؟
يوسف لم يمت غرقًا فقط.
يوسف مات خذلانًا.
مات تحت سطح ماءٍ راكد يشبه الضمير الراكد عند من كان عليهم أن يراقبوا، وأن ينقذوا، وأن يتأكدوا أن حياة الأطفال ليست مجرد بند في كراسة تنظيم بطولة.
يا سادة…
كان هناك طفل يتحرك… ثم يتعب… ثم يختفي… ثم يسقط إلى القاع.
لكن من كان على الحافة لم يرَ شيئًا.
من يحمل صافرة الحكم كان أعمى عن لحظة الغياب.
من يمتلك سلطة القرار كان أصمّ عن صراخ الأم التي ستنتظر عند الباب خبرًا لا يأتي.
والدولة، بكل اتفاقياتها واستراتيجياتها وشعاراتها، كانت بعيدة… بعيدة جدًا عن اللحظة التي احتاج فيها يوسف نفسًا واحدًا فقط.
أي بطولة هذه التي لا ترى موتًا فوق منصتها؟
وأي مسؤول هذا الذي يوقع بروتوكولات تعاون، ويبتسم أمام الكاميرات، ويتحدث عن “تطوير المنظومة الرياضية” بينما طفلٌ يموت في منشأة تتبع وزارته…؟
ماذا تفعل كل هذه الاتفاقيات إن لم تحمِ طفلاً واحدًا؟
ما قيمة مذكرات التفاهم إذا كان “منقذ واحد” غير مؤهل قادرًا على إنهاء حياة صبي بكل سهولة…؟
يا مسؤولي الرياضة…
يا من تجلسون على مقاعد مُكيّفة بينما أطفال هذا البلد يسبحون بين الحياة والموت:
هذا الحادث وصمة عار.
عار على منظومةٍ تغرق في الاحتفالات وتطفو على الإهمال.
عار على من نسوا أن الرياضة ليست ميداليات… بل أرواح.
ولا يليق بكم بعد اليوم أن تتحدثوا عن “رؤية” أو “استراتيجية” أو “تطوير”، وأنتم عاجزون عن إنقاذ روح واحدة.
لقد رحل يوسف…
رحل صامتًا في قاع المسبح.
لكن سقوطه دوّى في قلب كل أب وكل أم وكل طفل سيقف على حافة الماء يومًا ما.
ورحيله كشف ما هو أعمق من عمق المسبح: كشف عمق الفجوة بين كلامكم وواقعنا.
إلى المسؤول المباشر عن هذه المأساة – أيًا كان منصبه
إليك أقول:
إن كنت لم ترَ يوسف وهو يغرق، فاعلم أن الناس اليوم يرونك أنت تغرق…
تغرق في إهمالك، وفي تقصيرك، وفي تجاهلك لحياة أطفال كان من المفترض أنك أمين عليها.
ولو بقيت في موقعك بعد هذه الجريمة، فاعلم أن الكرسي لم يعد كرسيًا… بل شاهد قبر جديد.
يوسف يا صغيري…
لم ننقذك، ولم نحمِك، ولم نستحقّ براءتك.
لكننا نقسم أن صوتك لن يغرق.
وأن هذه المأساة لن تمر كما مرت غيرها.
وأن أسماء الذين تركوك في القاع، ستظل معلّقة فوق رؤوسهم… كخطايا لا تغتفر.
الرحمة ليوسف…
والعار كل العار لمن أهمل، ومن قصّر، ومن وقف فوق الأرض بينما طفلٌ مصري يموت تحت الماء.
























