هشام بيومي يكتب: من أنفاق مصر إلى منصات العالمية


في عالم يعج بالتحديات، تظهر شخصيات استطاعت أن تشق طريقها من الصفر إلى قمة المجد. ومن بين هذه النماذج الملهمة يبرز اسم المهندس هاني عازر، المصري الذي رفع اسم بلاده عاليًا في قلب أوروبا، وأصبح رمزًا للتميز الهندسي والنجاح الشخصي. قصته ليست مجرد رحلة مهنية، بل ملحمة ملهمة للشباب العربي بأن النجاح لا تحده جغرافيا، ولا تمنعه صعوبات.
وُلد هاني عازر في مدينة طنطا بمحافظة الغربية عام 1948، ونشأ في بيت مصري بسيط، وتعلّم في مدارسها الحكومية. لم يكن في محيطه رفاهية ولا وسائل تسهّل طريق النجاح، لكنه امتلك أعظم وسيلة يمكن أن يمتلكها إنسان: الإرادة. كانت أحلامه أكبر من الواقع المحيط به، وكان عقله يفيض بالأسئلة، وحب المعرفة لا يفارقه.
بعد حصوله على شهادة الثانوية، التحق بكلية الهندسة، لكنه قرر أن يطارد حلمه خارج الحدود، فشد الرحال إلى ألمانيا، وهناك بدأت رحلة التحدي الحقيقي، حيث اصطدم باختلاف اللغة والثقافة وصعوبة الحياة، لكنه لم ينكسر، بل كان كل عائق دافعًا جديدًا له للمضي قدمًا.
عمل هاني عازر في بداية حياته في وظائف متواضعة لتأمين مصروفات دراسته، من تنظيف إلى أعمال البناء، ولم يخجل من ذلك. بل كان يعتبر كل لحظة في هذه المرحلة حجرًا في صرح شخصيته القوية. وبعد تخرجه من جامعة بوخوم الألمانية في تخصص الهندسة المدنية، بدأ مسيرته المهنية، واضعًا كل تركيزه في تقديم الأفضل.
بفضل إخلاصه واجتهاده، التفتت إليه كبرى شركات السكك الحديدية في ألمانيا، وتم اختياره ليقود تنفيذ أعقد المشروعات الهندسية في البلاد، ليتحول من شاب مهاجر إلى أحد أهم العقول الهندسية في أوروبا.
من أبرز إنجازاته تصميم وتنفيذ محطة القطارات المركزية في العاصمة الألمانية برلين، والتي اعتُبرت أعقد مشروع في أوروبا وقتها، وتطلبت تنسيقًا هندسيًا فائق الدقة بين الأنفاق والسكك الحديدية والمباني. وقد أُطلق عليها لاحقًا “أعجوبة الهندسة الحديثة”، وسُميت باسمه إحدى قاعاتها تكريمًا له.
ولم تقف إنجازاته عند هذا الحد، بل شارك في حفر أنفاق مترو في ألمانيا ومشاريع بنية تحتية ضخمة، ما جعله محل احترام وتقدير الحكومة الألمانية التي منحته وسام الجمهورية الفيدرالية.
رغم نجاحه في الغرب، لم ينسَ هاني عازر جذوره، فعاد إلى مصر أكثر من مرة، مشاركًا في العديد من المشروعات الوطنية العملاقة، أبرزها إشرافه على تنفيذ أنفاق قناة السويس، وتقديمه استشارات استراتيجية في مشاريع قومية كبرى.
عُين مستشارًا للرئيس المصري في شؤون النقل، وعضوًا في المجلس الاستشاري الرئاسي، ليضع خلاصة خبرته العالمية في خدمة وطنه الأم.
قصة هاني عازر تحمل في طياتها دروسًا لا تُقدر بثمن لكل شاب:
لا تخجل من بدايتك البسيطة، فكل عظيم بدأ من الصفر.
الغربة ليست نهاية، بل قد تكون بداية مجد إن أحسنت استثمارها.
التعليم والعمل الجاد طريق النجاح الحقيقي، لا الحظ ولا العلاقات.
العقل المصري قادر على المنافسة عالميًا متى توافرت له الإرادة.
إن سيرة المهندس هاني عازر ليست مجرد قصة نجاح هندسي، بل هي ملحمة إنسانية، وتجسيد حيّ لحلم لا يعرف المستحيل. إنها دعوة صريحة لكل شاب عربي: ابنِ حلمك، تمسّك به، اعمل في صمت، ودع إنجازك يتحدث.