الثلاثاء، 1 يوليو 2025 10:25 صـ
بوابة المصريين

رئيس الحزب د. حسين ابو العطا

مقالات الرأي

هشام بيومي يكتب: شعلة العلم التي لم تنطفئ

بوابة المصريين

في كل مرحلة من مراحل التاريخ، تظهر شخصيات استثنائية تُثبت أن العقل لا يعرف حدودًا، وأن الإيمان بالعلم والحق يمكن أن يشعل ثورة تغيير في الواقع. وفي الوطن العربي، سطعت نجمة شابة في سماء العلم، لم تكن فقط عالمة نووية عبقرية، بل كانت شعلة أمل لكل شاب وشابة يحملون في قلوبهم حلمًا ويطمحون لصناعة الفرق. إنها الدكتورة سميرة موسى، أول عالمة ذرة مصرية وعربية، والفتاة التي حملت في قلبها العلم، وفي عقلها الوطن، وفي روحها رسالة لم تكتمل.


من قلب الريف... ولدت الإرادة

ولدت سميرة موسى عام 1917 في قرية سنبو الكبرى بمحافظة الغربية، وسط بيئة ريفية بسيطة. لكنها كانت تملك من الطموح ما لا تحجبه الجدران، ومن الذكاء ما لا تقيّده القيود. ترعرعت في بيت يؤمن بالتعليم، وكان والدها تاجرًا محبًا للعلم شجعها على الدراسة، ونقلها معه إلى القاهرة لتلتحق بمدرسة قصر الشوق الابتدائية، ثم مدرسة بنات الأشراف، حيث أظهرت تفوقًا ملحوظًا في العلوم والرياضيات.

لقد اختارت منذ البداية أن تكون مختلفة... أن تكون قدوة لا مجرد تابع، وصنعت من التحديات طريقًا صلبًا سارت عليه بثبات.

التحقت سميرة موسى بكلية العلوم جامعة القاهرة، وهناك تأثرت بأستاذها الدكتور مصطفى مشرفة، أحد رواد العلم في مصر، الذي آمن بقدراتها وشجعها. تخرجت بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف، وكانت الأولى على دفعتها، فتم تعيينها معيدة بالكلية، في وقت كانت فيه هذه الخطوة نادرة للنساء.

واصلت دراستها، وحصلت على شهادة الدكتوراه في الأشعة السينية وتأثيرها على المواد المختلفة. كانت حينها في العشرينيات من عمرها، وتعاونت مع علماء عالميين في أبحاثها، لتصبح أول عالمة تفتح الطريق أمام الطاقة النووية السلمية في مصر والعالم العربي.

لم تكن سميرة موسى تسعى فقط وراء الشهرة أو الألقاب العلمية، بل كانت تحمل حلمًا أكبر: أن يكون للعلم دور في العدالة الاجتماعية. كانت تؤمن بأن الطاقة النووية يمكن أن تُستخدم لعلاج السرطان بأقل التكاليف، وأن مصر والعالم العربي يحق لهما امتلاك هذا العلم دون قيد أو تبعية.

رفعت شعارًا جريئًا في وقت حساس:

"أريد أن يكون العلاج بالذرة مثل الأسبرين".

هذه العبارة لم تكن مجرد شعار، بل مشروع حياة. حلمت ببناء معهد للطاقة الذرية في مصر، ونظمت مؤتمرات دولية، ودعت علماء من مختلف الجنسيات لبحث كيفية توظيف الذرة في السلام، لا في الحروب.

نجاح سميرة موسى لم يكن موضع ترحيب من الجميع، فقد أثارت قلق قوى عالمية أرادت احتكار المعرفة النووية. ورغم تحذيرات كثيرة تلقتها، لم تتراجع. بل زارت الولايات المتحدة في منحة علمية، وهناك أتيحت لها فرصة الاطلاع على المفاعلات النووية.

وفي عام 1952، وبينما كانت في طريقها لزيارة أحد المختبرات الأمريكية، تعرضت لحادث غامض... سقطت سيارتها من فوق جبل، وقُتلت في ظروف أحاطها الغموض حتى اليوم. كثيرون يعتقدون أن اغتيالها تم بتدبير مخابراتي، خشية من أن تنقل علمها إلى مصر والعرب.


رحلت سميرة موسى في عمر الخامسة والثلاثين، لكن أثرها لم يرحل. بل بقي خالدًا في نفوس الأجيال التي أدركت أن المرأة ليست فقط قادرة على دخول عالم الذرة، بل يمكنها أن تقوده.

لقد زرعت في قلوب الشباب أن لا مستحيل مع العلم، وأن الدفاع عن الوطن لا يكون بالبندقية فقط، بل أيضًا بالمعمل، بالكتاب، وبالإرادة.
واصبحت رسالة لا تموت.

اثبتت حياة سميرة موسى ان:

1. البيئة لا تحدد مصيرك: وُلدت سميرة في قرية بسيطة، لكنها لم تجعل من ذلك عائقًا، بل نقطة انطلاق.


2. التفوق لا يعرف نوعًا ولا عمرًا: في وقت كان فيه المجتمع يحجم دور المرأة، أثبتت أنها قادرة على التفوق وتغيير المعادلات.


3. الوطنية الحقيقية تبدأ بالعلم: لم تستخدم علمها من أجل الثراء أو الهجرة، بل أرادته أداة لخدمة الفقراء وبناء وطن مستقل.

مقالات الرأي

آخر الأخبار