الأحد، 18 مايو 2025 06:39 مـ
بوابة المصريين

رئيس الحزب د. حسين ابو العطا

مقالات الرأي

هشام بيومي يكتب: الدفاع عن حق المستأجر في شقته: بين العدل الدستوري والواقع الاجتماعي

بوابة المصريين

في ظل المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها المجتمعات، تزداد أهمية التوازن بين حقوق المالك والمستأجر. غير أن السنوات الأخيرة شهدت محاولات متعددة لفسخ عقود الإيجار قسرًا، إما عبر تعديل تشريعي أو من خلال دعاوى فردية، الأمر الذي يهدد الأمن السكني لشريحة كبيرة من المواطنين، ويمس بحقوق راسخة أقرها الدستور وأكدت عليها المحكمة الدستورية العليا في العديد من أحكامها.

أولاً: الحق في السكن من منظور دستوري
يكفل الدستور المصري في المادة (78) حق كل مواطن في سكن ملائم، يحقق الكرامة الإنسانية والخصوصية. وقد ذهبت المحكمة الدستورية العليا في عدد من أحكامها إلى التأكيد على أن "الحق في السكن لا يعد فقط ضرورة حياتية، بل هو شرط لممارسة باقي الحقوق، وعلى الدولة والمجتمع حمايته من التعسف".
وفي أحد أبرز أحكامها، اعتبرت المحكمة أن "علاقة الإيجار ذات طابع اجتماعي اقتصادي، ولا يجوز الإخلال بها دون مبرر عادل، حفاظاً على الاستقرار والأمن الأسري".

ثانياً: عقد الإيجار وأهمية استقراره
يُعد عقد الإيجار من العقود الرضائية التي تنشأ بناءً على اتفاق الطرفين، ويستند إلى مبدأ حسن النية والعدل. غير أن محاولات فسخ عقد الإيجار دون موافقة المستأجر تمثل انتهاكًا لهذا الاتفاق، خاصة إذا لم يستند ذلك إلى إخلال واضح ببنود العقد.
كما أن الإيجارات القديمة – التي كانت نتاجًا لظروف اقتصادية واجتماعية معينة – ما زالت تمثل الملاذ الوحيد لعدد هائل من الأسر محدودة الدخل، ولا يجوز تحميل المستأجر وحده تبعات تغير الواقع الاقتصادي.


ثالثاً: الآثار الاقتصادية لفسخ عقود الإيجار قسرًا

زيادة معدلات الفقر والتشرد: فسخ عقود الإيجار يهدد آلاف الأسر بفقدان مساكنها، ما يؤدي إلى اضطرارهم للإقامة في مساكن غير آدمية أو مؤقتة، مما يرفع معدلات الفقر والعشوائيات.

ارتفاع جنوني في أسعار الإيجارات الجديدة: مع قلة المعروض وزيادة الطلب، ستتضاعف أسعار الإيجارات، ما يعمق أزمة السكن في مصر.

عدم الاستقرار الاقتصادي: التهجير القسري أو غير المبرر للمستأجرين يؤدي إلى تقليل الإنفاق على التعليم والصحة بسبب توجه الدخل نحو السكن، مما يضعف القوة الشرائية ويؤثر سلبًا على الاقتصاد المحلي.


رابعاً: الآثار الاجتماعية والنفسية

زعزعة الاستقرار الأسري: السكن هو محور الاستقرار النفسي والأسري، وحرمان الإنسان من منزله يؤدي إلى تفكك اجتماعي وانعدام الأمان.

إضعاف الثقة في الدولة ومؤسساتها: حين يشعر المواطن بأن حقوقه معرضة للانتهاك دون حماية قانونية حقيقية، تتراجع ثقته في النظام القانوني والدستوري.

إثارة النزاعات المجتمعية: التنازع بين المالك والمستأجر يتحول من مسألة قانونية إلى صراع اجتماعي، خاصة مع شح البدائل.

خامساً: التوازن هو الحل
إن حماية المستأجر لا تعني بأي حال من الأحوال إهدار حقوق المالك، ولكن الحل العادل يجب أن يقوم على مبدأ التوازن بين مصلحة الطرفين، دون ترجيح كفة أحدهما على حساب الآخر.

وفي هذا السياق، من الضروري التذكير بأن الدولة قد دعمت المالكين بالفعل في وقت بناء هذه العقارات، من خلال توفير الحديد والأسمنت بأسعار مدعومة، وذلك في إطار سياسة الدولة حينها لتشجيع التوسع العمراني وتوفير مساكن للإيجار تخدم شرائح واسعة من المواطنين. هذا الدعم الحكومي لم يكن مجانياً، بل كان مشروطًا ضمنيًا بتخصيص هذه الوحدات للإيجار طويل الأجل بما يضمن السكن للطبقات محدودة ومتوسطة الدخل. وبالتالي، فإن المطالبة اليوم بتعديل عقود الإيجار أو فسخها قسرًا دون مراعاة هذه الخلفية الاقتصادية والاجتماعية ينطوي على مخالفة جوهرية للعقد غير المكتوب بين الدولة والمستثمرين في ذلك الزمن.

ومن هنا، فإن التوازن يمكن أن يتحقق عبر عدة إجراءات مدروسة، منها:

الالتزام بالعقود القائمة وعدم المساس بها دون رضا الطرفين، تطبيقًا لقاعدة "العقد شريعة المتعاقدين".

مدّ أي تعديل تشريعي مستقبلي لفترة انتقالية طويلة المدى، حتى لا يُفاجأ المستأجر بتغيير جذري في وضعه السكني.

إنشاء صناديق دعم أو تعويض حكومية أو مجتمعية للمالكين الذين يتضررون فعليًا من استمرار الإيجارات الرمزية، بشرط إثبات الضرر، مع مراعاة البعد الاجتماعي والعدالة.

وضع قواعد لتنظيم العلاقة المستقبلية بين المالك والمستأجر على أسس مرنة ومتوازنة، دون الإضرار بالمكتسبات السكنية للأسر المستقرة منذ عقود.


يبقى الحق في السكن من أقدس الحقوق الإنسانية، وتظل حماية المستأجر من الفسخ القسري لعقد الإيجار واجبًا أخلاقيًا ودستوريًا. إن أي محاولة لتهديد هذا الحق لا تمس فقط بشخص المستأجر، بل تهدد النسيج الاجتماعي بأكمله، وتدفع نحو اضطراب اقتصادي ونفسي لا يمكن تداركه بسهولة.
إننا بحاجة إلى تشريعات عادلة، تؤمن التوازن بين طرفي العلاقة، وتحمي المستأجر من الظلم، وتضمن للمجتمع الاستقرار والسلام الاجتماعي.

مقالات الرأي

آخر الأخبار