هشام بيومي يكتب: قصة كفاح صنعت إمبراطورية


في زمنٍ تزداد فيه التحديات، ويظن البعض أن النجاح حكرٌ على من وُلد وفي فمه ملعقة من ذهب، تظهر قصص مثل قصة أنسي ساويرس لتكسر تلك القواعد، وتثبت أن النجاح لا يُهدى، بل يُنتزع بالإرادة والإصرار والعمل الشاق. للشباب الطامحين في بناء مستقبلٍ مشرق، إليكم نموذجًا مصريًا خالصًا، بدأ من الصفر، وتحدى الصعاب، وصنع لنفسه ولمصر اسماً يسطع في سماء الاقتصاد العالمي. إنها قصة رجل آمن بنفسه، ولم يرضَ أن يكون رقمًا عاديًا، فصار رقمًا صعبًا.
وُلد أنسي نجيب ساويرس في 14 أغسطس عام 1930 في محافظة سوهاج بجنوب مصر، لعائلة صعيدية بسيطة. ولم يكن في العائلة إرثٌ من الشركات أو النفوذ، بل كان كل شيء يُبنى بالحلم والتعب. تلقى أنسي تعليمه الأساسي في صعيد مصر، ثم انتقل إلى القاهرة ليدرس الزراعة في جامعة القاهرة، وتخرج عام 1950.
وعلى الرغم من دراسته الزراعية، إلا أن طموحه كان أوسع من أن يُحصر في مجالٍ واحد. قرر أن يشق طريقه بنفسه، فبدأ في العمل التجاري متسلحًا بالإرادة والمغامرة، وهي سمة لازمته طوال حياته.
بدأ أنسي ساويرس أولى خطواته في عالم الأعمال من خلال شركة مقاولات صغيرة أسسها في بداية الخمسينيات باسم "شركة المقاولات المصرية – إليكترو مصر"، وكان نشاطها الأساسي هو تمهيد الطرق وحفر المصارف. ورغم صغر حجم الشركة في البداية، إلا أن أنسي استطاع أن يثبت كفاءته بسرعة، فأصبح يحصل على عقود حكومية متزايدة.
لكن مسيرته لم تكن مفروشة بالورود؛ ففي عام 1961، تعرضت شركته للتأميم ضمن سياسة الدولة آنذاك، ففقد أنسي ساويرس شركته وأصوله، ليبدأ من جديد في ظل ظروف اقتصادية صعبة.
بعد التأميم، قرر أنسي أن يسافر إلى ليبيا ويعمل هناك في مجال المقاولات، وهي خطوة صعبة لكنها كانت ضرورية للحفاظ على حلمه. وخلال عمله هناك، كوّن علاقات قوية، وخبرة متينة، وجنى رأس مال مكنه من العودة إلى مصر في السبعينيات بعد انفتاح الاقتصاد.
بإصرار لا يعرف الانكسار، أسس أنسي ساويرس شركة "أوراسكوم" في عام 1976، والتي تحولت إلى مجموعة ضخمة
لم يسمح لليأس أن يتسلل إليه. فقد آمن أن الفشل ليس النهاية، بل محطة للتأمل والانطلاق من جديد.
مع نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، كانت "أوراسكوم" قد أصبحت واحدة من أسرع الشركات نموًا في مصر والشرق الأوسط. لم يكن النجاح وليد الحظ، بل نتيجة طبيعية لرؤية استراتيجية، وإدارة قوية، وفكر إداري قائم على التوسع والاستثمار الذكي.
أنشأ ساويرس شركة "أوراسكوم للإنشاء والصناعة"، التي أصبحت واحدة من أكبر شركات المقاولات في المنطقة، كما أسس "أوراسكوم تليكوم" التي دخلت عالم الاتصالات بقوة ونجحت في إحداث نقلة نوعية في هذا القطاع، ليس في مصر فقط، بل في العديد من الدول الإفريقية والآسيوية.
من أبرز ما ميز أنسي ساويرس هو إيمانه بالعمل الجاد، والالتزام، وأهمية الاستثمار في الإنسان. كان يثق في الكفاءات الشابة، ويمنحها الفرصة للنمو والتطور. كما كان حريصًا على أن تسهم شركاته في دعم الاقتصاد الوطني، وتوفير فرص عمل للمصريين.
لم يكن مجرد رجل أعمال، بل كان وطنيًا آمن بمصر، وسعى دومًا لخدمتها من موقعه، سواء عبر مشروعاته الاقتصادية أو من خلال العمل المجتمعي والخيري، حيث ساهمت مؤسسته الخيرية في تمويل التعليم والرعاية الصحية ومساعدة المحتاجين.
توفي أنسي ساويرس عام 2021، بعد مسيرة حافلة بالعطاء والكفاح، تاركًا وراءه إمبراطورية اقتصادية يديرها أبناؤه: نجيب، وسميح، وناصف، وكل منهم أصبح بدوره من أعمدة الاقتصاد المصري والدولي.
لكن الإرث الحقيقي لأنسي ساويرس ليس فقط في الأرقام أو المشروعات، بل في القصة التي كتبها بكفاحه، ليُثبت أن الإرادة يمكن أن تهزم الصعاب، وأن الطموح يمكن أن يبني من لا شيء كل شيء.
قصة أنسي ساويرس ليست مجرد سيرة رجل أعمال ناجح، بل هي دليل حي على أن النجاح لا يرتبط بالمكان الذي ولدت فيه، ولا بالثروة التي تملكها، بل بالفكر، والإصرار، والعمل المستمر.
قد تبدأ من قاع المجتمع، لكنك إن امتلكت الرؤية والصبر، فستصعد يومًا إلى القمة.
لكل شاب يحلم بمستقبل مختلف، تذكر أن الخطوة الأولى تبدأ بك، وأن النجاح ليس مستحيلًا. خذ من أنسي ساويرس قدوة، وابدأ رحلتك، فالعالم لا ينتظر المترددين، بل يفتح أبوابه لمن يجرؤ على الحلم ويقاتل لتحقيقه.