هدى صالح تكتب .. القروض وتداعياتها على الأسر الفقيرة في مصر: أزمة تتجاوز الفقر إلى تهديد الاستقرار الاجتماعي


في ظل الارتفاع المستمر في تكاليف المعيشة، ومع تراجع القدرات الشرائية للمواطن المصري، أصبحت القروض الصغيرة وسيلة يعتمد عليها الكثير من الأسر الفقيرة في محاولة يائسة لتحسين أوضاعهم. ورغم أن هذه القروض يُفترض أن تُستخدم لدعم المشروعات الصغيرة وتمكين الأسر اقتصاديًا، إلا أن الواقع المؤلم يكشف عن استخدام مختلف تمامًا، يفضي في كثير من الأحيان إلى كوارث اجتماعية ونفسية تهدد استقرار الأسرة والمجتمع.
القرض ليس حلاً دائمًا بل مسكن مؤقت
في البداية، تأمل الأسرة الفقيرة أن يُحدث القرض انفراجة مؤقتة في حياتها، فتلجأ إليه لتلبية احتياجات ضرورية مثل الطعام، أو دفع إيجار متأخر، أو شراء ملابس للأطفال. ولكن ما إن تنفد الأموال حتى يبدأ كابوس السداد. وهنا تبدأ معاناة جديدة أشد قسوة من الفقر ذاته.
معظم الأسر الفقيرة في مصر تعتمد على دخل شهري محدود لا يكفي أساسًا لتلبية الحد الأدنى من متطلبات الحياة. ومع التزامات القسط الشهري، تجد الأسرة نفسها مضطرة للتقشف الحاد، بل أحيانًا تضطر للاستغناء عن وجبات الطعام أو العلاج لتتمكن من دفع القسط في موعده.
من الضائقة المالية إلى التهديد بالحبس
في حال تأخرت الأسرة عن السداد، تواجه تهديدًا قانونيًا خطيرًا. فقد تكون الأم هي من حصلت على القرض، والزوج هو الضامن. وفي حالة التعثر، يصبح السجن مصير أحد الطرفين أو كليهما، ما يؤدي إلى تفتت الأسرة وتشريد الأطفال، وفتح الباب أمامهم للوقوع في دوائر الانحراف والعنف والإدمان، مما لا يهدد الأسرة فقط، بل المجتمع بأكمله.
الآثار النفسية والاجتماعية العميقة
القرض لا يُثقل فقط كاهل الأسرة ماديًا، بل يحملها أعباء نفسية مرهقة. فتتحول الأسرة إلى كيان يعيش القلق الدائم والتوتر المستمر، وتتفشى بين أفراده المشاحنات، الإحباط، والشعور بالذنب والفشل. المرأة، التي كانت تطمح أن تخرج أسرتها من دائرة الفقر، تجد نفسها مهددة بالسجن، والرجل ينهار أمام عجزه عن حماية أسرته.
أما الأطفال، فمع غياب أحد الوالدين أو انكسارهم تحت ضغوط القروض، يتعرضون لاضطرابات نفسية خطيرة، قد تصل إلى الانطواء، العنف، أو حتى التسرب من التعليم للعمل ومساعدة الأسرة، مما يحرمهم من المستقبل الذي قد يغير مصيرهم.
الأثر على الوطن: عندما تصبح القروض عبئًا على التنمية
ما لا يدركه البعض أن الأزمة لا تتوقف عند الأسرة وحدها، بل تمتد آثارها إلى الوطن بأكمله. حين تتفشى ظاهرة القروض التعجيزية، يتراجع الاستقرار المجتمعي، وتزداد معدلات الفقر، الجريمة، والتسرب من التعليم. كما تُهدر إمكانيات القروض التنموية الحقيقية، التي كان يمكن أن تساهم في مشاريع منتجة تحرك الاقتصاد وتوفر فرص عمل.
الحلول المقترحة
• توجيه القروض إلى المشروعات فقط، ومنع استخدامها في الاستهلاك اليومي.
• توفير برامج توعية للأسر عن كيفية إدارة المال، وجدوى المشروعات الصغيرة.
• متابعة الجهات الممولة للمستفيدين لضمان الاستخدام الصحيح للقرض.
• تقديم بدائل دعم حقيقية من الدولة للفئات الأكثر فقرًا، مثل الإعانات الغذائية والصحية المباشرة.
• تطوير نظام ضمان اجتماعي فعال يحمي الأسر من الوقوع في الديون