الثلاثاء، 10 يونيو 2025 08:53 صـ
بوابة المصريين

رئيس الحزب د. حسين ابو العطا

مقالات الرأي

هدى صالح تكتب .. تجارة البشر جريمة العصر وامتهان للكرامة الإنسانية

بوابة المصريين

في زمنٍ يُفترض فيه أن يكون الإنسان أعظم قيمةً من أي شيء، لا تزال هناك ظواهر تُعيدنا قرونًا إلى الوراء، وتضع البشرية أمام مرآة قاسية تكشف عن تناقضاتها. من بين هذه الظواهر المروّعة، تبرز تجارة البشر كواحدة من أبشع الجرائم وأكثرها امتهانًا لكرامة الإنسان.

الإنسان ليس سلعة

أن يُعامَل الإنسان كسلعة تُباع وتُشترى، أو كأداة تُستغل دون رحمة، هو أمر لا يمكن تبريره تحت أي ظرف. لا الفقر، ولا الحاجة، ولا الاختلاف في الجنسية أو اللون، تبرّر أبدًا أن يُسلب إنسان روحه وحقه في الحياة الكريمة.

للأسف، كثيرون من ضحايا هذه الجريمة هم أشخاص قادتهم الظروف القاسية إلى الهروب من الفقر، فوجدوا أنفسهم في واقع أشد قسوة: مستعبَدون، محرومون من الأمان، ومجردون من أبسط حقوقهم.

أشكال العبودية الحديثة

رغم أن العبودية التقليدية أصبحت من الماضي، فإننا نعيش اليوم نسخًا “حديثة” منها لا تقل بشاعة. فالعاملات والعمّال في المنازل، الذين يُجلبون من بلدان فقيرة، يُحتجزون أحيانًا في بيوت أصحاب العمل، يُجبرون على العمل لساعات طويلة دون أجر كافٍ أو راحة، ويتعرّضون أحيانًا للعنف الجسدي والنفسي.

تُعامل بعض هذه الأرواح وكأنها بلا قيمة، وكأن إنسانيتهم انتهت بمجرد توقيع عقد أو دفع أجرة سفر، في حين أن ما دفعهم للعمل لم يكن إلا بحثًا عن لقمة كريمة وحياة أفضل.

من المسؤول؟

المسؤولية لا تقع على فرد واحد فقط، بل هي مسؤولية جماعية:
• الدولة: حين تُقصّر القوانين في حماية المستضعفين، أو تُهمل الرقابة.
• المجتمع: حين يتواطأ بالصمت أو يتعامل مع العمالة الضعيفة بتعالٍ واحتقار.
• الفرد: حين يرى الظلم ولا يتحرك، أو يُشارك فيه حتى بصمته.

لماذا تنتشر تجارة البشر؟
• الفقر والبطالة: حيث تصبح الحاجة بيئة خصبة للاستغلال.
• النزاعات والحروب: التي تخلق لاجئين بلا حماية.
• الجهل والاحتيال: إذ يقع الضحايا في فخ وعود كاذبة بالعمل أو السفر.
• ضعف القانون: في بعض الدول التي لا توفّر الحماية الكافية للعمالة الأجنبية أو المهمّشين.

كيف نواجه هذه الجريمة؟
1. نشر الوعي المجتمعي: من خلال التعليم والإعلام، لزرع قيم الكرامة والعدالة.
2. سنّ وتفعيل القوانين الرادعة: التي تجرّم الاستغلال وتعاقب عليه بصرامة.
3. التبليغ عن الحالات المشبوهة: لأن التواطؤ بالصمت يغذّي هذه الجريمة.
4. دعم الضحايا: نفسيًا وقانونيًا، وتأهيلهم للاندماج من جديد في المجتمع.

كلمة أخيرة

الكرامة ليست ترفًا، والرحمة ليست خيارًا. كل إنسان، أيًا كان أصله أو عمله، له الحق في الاحترام والحماية. إن محاربة تجارة البشر تبدأ من قلوبٍ تُدرك أن الإنسان أثمن من أي شيء، وتنتهي بمجتمعاتٍ لا تقبل الظلم ولا تصمت عليه.

دعونا لا نكون جزءًا من الجريمة، لا بصمتنا، ولا بسكوتنا، ولا بتجاهلنا.
الإنسان يستحق أن يُعامل كإنسان… دائمًا.

مقالات الرأي

آخر الأخبار