هشام بيومي يكتب: شجرة العدالة


في أعماق الروح، ثمة نداء خفي لا يُخطئه القلب، نداء الغاية… الغاية التي خُلقنا من أجلها. ليست العدالة مجرد مهنة، وليست المناصب تاجًا يزين الرأس، بل هي امتداد لطبيعة الروح التي تسعى للتوازن والحق. حين تفكر في أن تصنع فرقًا، لا تفكر كمن يطرق باب التاريخ، بل كن من يصنعه. فكر كما لو أنك ذلك النموذج الذي يحتاجه الزمن... واسأل نفسك: كيف كانت لتفعل تهاني الجبالي ما أنوي فعله؟
تهاني الجبالي لم تكن مجرد قاضية. كانت بذرة نادرة نمت في تربة الوعي، وارتوت من مياه الإرادة، وترعرعت تحت شمس التحدي. هي شجرة زرعت نفسها في أرض لم تعتد رؤية نساء في ساحات القضاء، ثم أثمرت عدالة، وعلّمتنا أن الطريق إلى الغايات الكبرى لا يُفرش بالتصفيق، بل يُعبد بالصبر والكفاح ووضوح الرؤية.
مثل ثمرة البلوط، كان في داخلها جذع يربطها بجذور النساء القويات في التاريخ، ممن حُرمن من الصوت والقرار، لكنها حملت في قلبها الكأس، ذلك الوعاء الذي تلقّى القيم من أسرة قوية، ومعلمين صدقوا معها، وزملاء اختبروا صلابتها. وفي لحظة ما، نبتت بذرة الاستقلال. لحظة عرفت فيها من تكون… حينها لم تعد تمثل نفسها، بل مثّلت أجيالًا من النساء القادمات، نساء يحملن في داخلهن إرثًا من الكرامة، والإصرار، والحق.
السؤال الذي تطرحه علينا تهاني الجبالي ليس عن المناصب ولا الألقاب، بل عن العمق:
ما نوع البذرة التي في داخلك؟
هل تسكنك بذرة تغيير؟ بذرة إصلاح؟ بذرة تمرد على واقع ظالم أو نظام قاسٍ؟
أؤمن أن من أعظم مسؤولياتنا في الحياة أن نكتشف هذه البذور، وأن نرويها، ونؤمن بها حتى تزهر.
لكن أولًا… يجب أن نحترم طبيعتنا، لا كرجال أو نساء، بل كبشر… كبذورٍ من نور خُلقت لتُثمر، لا لتُدفن.
تهاني الجبالي لم تصل لأنها أرادت الصعود، بل لأنها آمنت أن طريقها نحو القمة يبدأ بخطوة في العمق… في الإخلاص، في التفاني، في رفض المساومة على المبدأ.
لذلك أقول، إن أردت أن تعرف قدرك، انظر إلى ما تزرعه اليوم… فالثمار لا تأتي صُدفة، والأشجار العظيمة تبدأ دومًا من بذرة قررت أن لا تموت.