الإثنين، 17 فبراير 2025 10:15 صـ
بوابة المصريين

رئيس الحزب د. حسين ابو العطا

مقالات الرأي

هشام بيومي يكتب.. الفنان الصوفي

هشام بيومي
هشام بيومي

اي مجتمع يتم العبث به من خلال ما يطلق عليه التخريب المجتمعي، هذا التخريب قد يخضع لفلسفة كبيرة لها مَنْ يصوغها ويخطط لها، ولعلَّ أوَّل مَنْ صاغ أساليب التخريب هو الفيلسوف الصيني (صان تزو) الذي اشتهر عنه مقولات عديدة بهذا الشأن.

فالتخريب الذي قصده (صان تزو) هو تخريب أرض العدو وحضارته وانجازاته دون إطلاق رصاصة واحدة بل لن يعدّ العدو يراك كخصم له!
فسياسة الحرب يراها سبيلاً فاشلاً وغير إبداعي لتخريب وتدمير العدو بل إعلان الحرب بالنسبة له من الغباء، فأعلى فنون القتال هو عدم القتال والانجرار للحرب؛ فلها نتائج عكسية وسلبية. لذا فالحرب الناجحة بالنسبة للفيلسوف الصيني والخبير العسكري (صان تزو) تخريب كلّ شيء في أرضه.

والتخريب يعتمد على مراحل زمنية محكمة: أوَّل مرحلة هي: اسقاط الأخلاق، لاسيما عند الفئة العمرية بين الـ 15 إلى 20 سنة، فلو غُيرت أخلاق هذه الفئة سيتغير أخلاق جيل كامل، فهو السنّ الذي تتشكل به الشخصية والايدلوجية والمفاهيم الإنسانية، ويكون التأثير عليهم بطرق عديدة كالدعاية والاتصال المباشر والإعلام. ثمَّ تُشن حملة على المفاهيم الفكرية النابعة من الدين، والتعليم، والإعلام، والثقافة. فالتخريب يكون بتسييس الدين والإتجار به والاستهزاء به، واستبدله بمعتقدات وطوائف وخرافات، فالمهم في هذه الاستراتيجية أن يبدأ الدين يتآكل تدريجياً بفعل اعتقاد الناس أنَّه شيء بدائي وخاص بالسذج، وتدمير الهوية.
بل يتضمن المنهج التخريبي استبدال كلّ ما هو أصلي بما هو وهمي مع التشجيع على الترفيه والتساهل بالقيم والتلاعب بها عن طريق الشعارات، وتشويه قضايا مهمة وخلق قدوات بائسة وبطولات زائفة.
وهذا ما نتعرض له من بدايات القرن الماضي تدمير الدين والتعليم والقيم والمثل العليا وهويتنا العربية
التي تعتمد على ثقافة مشتركة، والأرض المشتركة و التاريخ الواحد، هذه القواسم المشتركة هي إقليمية وقبلية. يتم تعريف الهوية العربية بشكل مستقل عن الهوية الدينية، لا تعد الهوية العربية هوية دينية إسلامية، فهي ترجع إلى ما قبل ظهور الإسلام. ومن عناصر الهوية العربية الخط العربي بما يمثله من تفرد وروح، عند قراءة الخط العربي وفق الرؤى لوجدنا أن الحرف العربي يشمل كل القيم الفنية التي تجعل منه فنا مستقلا بذاته، بل يبدأ باستقلاليته إلى القدرة على اتخاذ بالألباب والعقول والقلوب بوحدة عند النظر إليه، فيطغى على كل ما حوله. حيث يعبر عن انفسنا وهويتنا.وحماية خصوصيتنا الثقافيةمن الانحلال والتلاشي. وبالتالي تم تحديد الهوية اللغوية من بين أهم أصول الهويات، وتحديد ملامحها من خلال العلامات المشتركة التي تفرقها، فالحرف ميراث جمالي يرتبط في الذاكرة وبالهوية اللغوية الثقافية للجماعة من جهة أخرى. والحـرف فنياً هو أداة إنشاء النص المقروء، والحروف هي أدوات اللغة، ولغة كل العلوم، وقد تفننت كل الحضارات في كتابة حروف لغاتها، وأبدع الفنانون العرب في استخدام حروف اللغة العربية حتى أصبح للحرف أكثر من تشكيل به، وتسمى تلك الأيدو بـخطوط الكتابة . ولكتابة العربية وحروفها غرض جمالية تجلت فيها تلك العبقرية ولا نظن أن أي أمة من الأمم جعلت من الكتابة فنا قائما بذاته. والخط العربي يثير تساؤلات عديدة كما لم يثره أي فن من الفنون، وذلك لشموله جوانب كثيرة من حياة الإنسان، وميادينه مختلفة ذات تماس مباشر باحتياجاته الجمالية والوظيفية . فهو لا يهم بما يتعلق بقضايا من الخطاطين بل تعدى ذلك إلى كونه أهم الفنون الثقافية التي تؤكد على الفكر الثقافي الحديث في الدراسات الانثربولوجية.
وفي مواجهة تدمير وتخريب المجتمع المصري العربي نقدم نماذج حقيقية واقعية مصرية وعالمية تدعم مفاهيم النجاح وتقدم قدوة حسنة للشباب.
من اهم فنانين الخط العربي الفنان والخطاط المبدع (حامد العوضي) هو فنان وخطاط من نوع خاص مواليد جنوب مصر محافظة قنا عام 1957، تخرج من كلية الإعلام بجامعة القاهرة عام 1984. اثناء دراسته بقسم الصحافة حصل على دبلوم الخط العربي عام 1982 و بعد التخرج على دبلوم التخصص في الخط والزخرفة والتذهيب عام 1986.. اصبح الخط العربي رفيق دربه ليعبر من خلاله عن أحاسيسه وإبراز أعظم الكتابات والأشعار والآيات القرآنية.. عمل في مؤسسة الأهرام الصحفية وجريدة الاهالي والعديد من المجلات المصرية والعربية وله تجربة طويلة ومتميزة ابدع من خلالها لوحات متميزة في الخط العربي، مشكّلاً منها لوحات بديعة تندرج ضمن الفنون الغرافيكية الحديثة تارة وتارة أخرى تأخذ الصيغة الخطيّة الكلاسيكية التي رأيناها في أعمال رواد الخط العربي. يقول الدكتور محمود شاهين: يستخدم الخطاط العوضي في إنجاز أعماله، الألوان المائية والأصباغ والأكاسيد ومحلول الشاي و وغيرها من التقانات التي استخدمها الخطاطون العرب والمسلمون في مراحل مختلفة إضافة إلى ما تقدم يقوم الفنان والخطاط حامد العوضي باستخدام العقيق لتنعيم سطح اللوحة الخطيّة وهذه إحدى تقانات الخطاط الكلاسيكية التي انقرضت أو تكاد من حياتنا المعاصرة، إذ لم يعد يستخدمها إلا القليلون من العاملين في حقل الخط العربي سواء في عالمنا العربي أو الإسلامي.
يقوم الفنان العوضي بمزج مختلف الطرز والأجناس المعروفة في مسيرة الخط العربي في إنجاز لوحته، فهو يجمع بين الأنماط الكلاسيكيّة المحروسة بالنظم والقواعد التي وضعها السابقون.
من الصعب تشكيل جميع انواع الخطوط للتشكيل خواص وقواعد ومقومات معينة فلا يمكن تركيب وتشكيل خط الرقعة بسبب القواعد الصارمة التي تحكمه وعلى غراره خط النسخ، لذا فإن الامر يعود للخطاط وخبراته وعمق نظرته لكي يتعرف على الخطوط التي يمكن تشكيلها وتركيبها، فتمركزت جهود الخطاطين في ايجاد التراكيب الخطية لخط الثلث والتعليق والديواني والديواني الجلي والكوفي بجميع انواعه.
يبين التشكيل والتركيب في الخط مهارة وقدرة الخطاط على ابتكار تكوين خطي جديد لم يكن موجودًا من قبل، وكذلك قدرته على ملء الفراغات والمزاوجة بين الكلمات والاستفادة من المساحات واختيار الجمل او الآيات التي تقبل التركيب في حروفها.
فحتى يكون التركيب ناجحًا يجب ان نراعي:
دقة الحروف ،الإتزان، ملء الفراغ، الإيقاع، وتوزيع المساحات. وبين نزعة حداثية واضحة، تنتمي إليه دون غيره ومن خلال عملية التزاوج المدروسة هذه يستنهض العوضي نصوصه البصرية التي تُشكّل ابداعآ وفيها يقدم للمتلقي نصوصاً وكتابات وضعها شعراء، وأدباء ومتصوفة وأئمة، إضافة إلى آيات قرآنية، وأحاديث نبويّة شريفة وأمثال وحكم متعددة المضامين والدلالات. بعد تجربة طويلة ومتشعبة، تمكن الفنان والخطاط حامد العوضي من امتلاك ناصية الحروف، وتقانات اللوحة الحرفية الكلاسيكية منها والحديثة، وتالياً فإن امتلاكه لهذه الوسيلةالتعبير مكّنته من الابداع وتشكيل سلم موسيقي خاص من الحرف يمكن اقامة طقوس صوفية وشعبية.
أقام الفنان الصوفي والخطاط حامد العوضي معارض متعددة لاعماله الفنية في اتلية القاهرة وصالة جريدة الاهرام و في العاصمة البحرينية (المنامة) حيث يعرض روح فريدة ومعبرة عن القيم الممزوجة بين سناية الخط العربي.
يقول العوضي عن تجربته الجديدة هذه بأنها تجربة فنية جديدة ومبتكرة، خاصة على صعيد قيامه بصنع الورق المستخدم فيها، إضافة إلى الأصباغ، والأكاسيد، فهو يقوم بإعداد الورق وإعداد وسائل الكتابة عليه من الشاي وزلال البيض ما يوفر له إمكانات التلاعب بجسم اللوحة وشكلها، وكذلك في التعامل مع النص تعاملاً تشكيلياً حراً يوفر فرصة إبراز الطاقة التشكيلية المختزنة في الخط العربي، وإعادة تشكيلها، فوق سطح اللوحة، برؤى بصريّة جديدة، لا تضحي بالتراث العريق والخالد للخط العربي ولا بمعطيات العصر الكبيرة والهامة وإنما توفق بينهما بانسجام وتآلف كبيرين.
بالنسبة للنصوص التي استخدمها في مضامين أعماله، فتتوزع على النصوص الصوفية، أو الشعرية التي تعالج موضوع الحب والعشق الروحي (الإلهي) وبعض الآيات القرآنية، وفي بعض الأحيان، تقتصر لوحته، على نصوص بصريّة حرة لا تقدم معاني محددة، ولا أفكار مقروءة.
لكنها تمثل تكوينات مدروسة هدفها وغايتها الأساسية إبراز جماليات الخط العربي وتجسيدها في تشكيلات مجردة.
تمتزج نصوصه بين الشرق والغرب يعبر من خلالها عن الحب في ابيات عمر الخيام والعشق الإلهي في محي الدين بن عربي هذه التجربة التي اشتغل عليها الفنان حامد العوضي لمدة عام. وهذه التجربة الأخيرة اشتغل عليها الفنان العوضي لمدة عام، ورحل عن عالمنا تارك للأجيال من بعده تاريخ طويل من الأعمال الفنية التي تحكي مسيرة الخط العربي وعلاقته بالهوية العربية ومكونات الإنسان السليم الذكي القادر علي مواجهة الأعداء.

هشام بيومي

مقالات الرأي

آخر الأخبار