كنت من المحظوظين الذين نالوا شرف دراسة الاستراتيجية والأمن القومى فى كلية الدفاع الوطنى بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، وعلى الرغم من معرفتى المسبقة بالإمكانيات التى تتمتع بها المؤسسة العسكرية بصفة عامة إلا أن ما شاهدته على أرض الواقع يفوق أى تصور أو تخيل سواء من حيث الإمكانيات المادية أو البشرية، فالعبد لله درس في ( 5 ) جامعات مصرية "القاهرة – حلوان – الزقازيق – طنطا – المنصورة" وحصل على دراسات عليا من أكثر من جامعة وفى أكثر من تخصص وصولًا إلى درجة الدكتوراه، ولكن في الحقيقة تقف كل تلك المؤهلات على استحياء أمام "دورة" واحدة تنظمها أكاديمية ناصر العسكرية فى أى فرع من فروع علومها.!

في الأكاديمية قاعات للمحاضرات لا مثيل لها في أى جامعة مدنية أخرى في مصر وربما في الشرق الأوسط أيضًا دون أدنى مبالغة، أما عن المحاضرين فحدث ولا حرج، نخبة متميزة من الخبراء العسكريين والقادة غالبيتهم حاصلون على درجة الدكتوراه، ويجيدون أكثر من لغة أجنبية إلى جانب عدد آخر من الدراسات العليا والدورات في تخصصات مدنية وعسكرية من دول العالم المختلفة، السيرة الذاتية لكل محاضر تحتاج إلى صفحات وصفحات، وعن مستواهم العلمى والثقافى قل ماتشاء وتخيل ماتشاء، أما عن مستوى التعامل مع الدارسين فاللياقة واللباقة هما العنوان، واذا سألت عن الالتزام فذلك هو بيت القصيد، فالدارس فور قبوله بالأكاديمية يتسلم جدول المحاضرات ومواعيدها وأسماء المحاضرين فيها وأهم التعليمات التى يجب اتباعها منذ لحظة دخوله الأكاديمية حتى خروجه منها، هناك مشرفين على كل محاضرة لا تقل رتبتهم العسكرية عن رتبة "لواء" يقومون قبل كل محاضرة بتسجيل الحضور والغياب وإلقاء أى تعليمات جديدة من قِبل مدير الكلية ويتأكدون من توافر كافة الأدوات والمهمات اللازمة لبدء المحاضرة من إضاءة وأجهزة كمبيوتر وشاشات عرض وأجهزة تكييف وخلافه.

لم تتأخر محاضرة عن موعدها دقيقة واحدة .. لم يتغيب مدير الكلية أو المحاضر يومًا لبرودة الطقس أو لظروف صحية كما نرى ونشاهد في الجامعات المدنية .. وفى نهاية كل محاضرة هناك وقت مخصص للمناقشة مع المحاضر وطرح الأسئلة من الدارسين .. حتى مواقيت الصلاة لم تغب عنهم فهناك نصف ساعة بين المحاضرة والتى تليها من أجل الصلاة وفى نهاية الدراسة أو الدورة يتم تنظيم حفل تخرج على أعلى مستوى من النظام والجمال يحضره كل القيادات ويتم القاء الكلمات وتسليم الشهادات والدروع والتقاط الصور التذكارية وينتهى الحفل الجميل بالسلام الجمهورى وسط دموع الفراق للخريجين.!

الدراسة في أكاديمية ناصر العسكرية أعادت لنا الكثير من المفاهيم والمبادىء التى كنا نفتقدها، كشفت لنا حقيقة ما وصلت اليه مؤسستنا العسكرية من علم ورقى وتقدم في شتى علوم المعرفة، أظهرت لنا امتلاك قواتنا المسلحة لعلماء وخبراء ومبدعين وقادة يحق لكل مصرى وعربى أن يفخر بهم لذلك لم يكن غريبًا أن تكون الأكاديمية العريقة من أوائل الأكاديميات العسكرية في العالم الأمر الذى جعلها قِبلة العلم والمعرفة لكبار القادة العسكريين من العرب والأفارقة لينهلوا من علمها ويتسلحوا بفكرها.

ما أحوج جامعاتنا ومدارسنا للاقتداء بأكاديمية ناصر العسكرية، ما أحوج أساتذتنا ومعلمينا ليتعلموا من هذا الصرح الكبير كيف تكون رسالة المعلم وكيف يكون احترام مكان العلم، بل ما أحوج كافة مؤسساتنا لتطبيق هذا النموذج الفريد في العلم والإدارة بعد أن بلغت غالبية المؤسسات حالة من الانحلال والفوضى يَندى لها الجبين كلما عايشناها أو تذكرناها، كم اشتاق للعودة إلى الأكاديمية.!