الخميس، 16 أكتوبر 2025 09:54 صـ
بوابة المصريين

رئيس الحزب د. حسين ابو العطا

مقالات الرأي

هشام بيومي يكتب: حين تتحوّل المقاومة إلى مرآة للهمجية

بوابة المصريين

في زمنٍ يئنّ فيه العالم كلّه من مشاهد الدم في غزة، وفي لحظةٍ تتوحّد فيها الشعوب الحرة من أقصى الأرض إلى أقصاها تضامنًا مع الشعب الفلسطيني المكلوم، تفاجئنا حماس بمشهدٍ آخر من مشاهد الوجع — مشهدٍ لا يقلّ قسوة عن القصف ذاته، لكنه صادر من الداخل، من أيدي من يفترض أنهم "أبناء القضية".

أن تقوم حماس بإعدام متهمين بالتعاون مع إسرائيل، في مشاهد مروّعة أشبه بالعصور المظلمة، دون محاكمات علنية أو شفافة، ودون منح المتهمين حق الدفاع أو الاستئناف، فذلك ليس "بطولة" ولا "ردعًا"، بل خطيئة إنسانية وسياسية كبرى.

إنها لحظة سقوط أخلاقي لا يمكن تبريرها تحت أي شعار للمقاومة أو الأمن أو الردع.

كيف يمكن لتنظيمٍ يرفع راية "التحرير" أن يتصرّف بهذه الوحشية؟

كيف يمكن لحركةٍ تطلب اعتراف العالم بعدالة قضيتها، أن تُمارس العدل بمنطق الميليشيا لا بمنهج الدولة؟

الوجه الحقيقي لغزة ليس هؤلاء الذين يجرّون الناس إلى الإعدام دون محاكمة، بل هؤلاء الذين يُدفنون تحت الأنقاض بصمتٍ وشجاعة، الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن، الأطفال الذين ينامون على رائحة الغبار والجوع، الشيوخ الذين يرفعون رؤوسهم رغم الألم.

غزة التي يعرفها العالم اليوم ليست غزة الأنفاق ولا البنادق، بل غزة الإنسانية، غزة التي تعلّمت أن تبقى حيّة رغم موتٍ يحاصرها من كل اتجاه.

أما أولئك الذين اختبؤوا في الجحور بينما شعبهم يُقصف في الشوارع، فلا يمثلونها، ولا يستحقون الحديث باسمها.

المقاومة الحقيقية لا تُقاس بعدد من يُعدَمون، بل بعدد من تُنقَذ كرامتهم.

العدل ليس رفاهية، بل أساس أي مشروع وطني، وأي حركة تحرر حقيقية.

حين تُعدم إنسانًا دون محاكمة عادلة، فأنت تقتل فكرة "القضية" ذاتها.

وحين تتصرّف كأنك "الدولة"، بينما تمارس أبشع صور الميليشياوية، فأنت تُفقد نفسك الشرعية التي تحتاجها أمام العالم.

أليس من المفترض أن تكون حماس — أو من يمثلها — نموذجًا لصوت المظلوم لا نسخة من ظالميه؟

ألم تتعلّم من عقود من القهر أن الظلم لا يُواجه بالظلم؟

في الوقت الذي خرج فيه ملايين البشر في شوارع أوروبا وأمريكا وأفريقيا وآسيا تضامنًا مع غزة، في لحظة إنسانية نادرة، كانت تلك الإعدامات صفعة في وجه هذا التعاطف العالمي.

كيف تريد أن تكسب احترام العالم وأنت تقتل أبناءك بهذه الوحشية؟

كيف يمكن للعالم أن يميّز بين من يقاوم الاحتلال ومن يُعيد إنتاج الاستبداد؟

إنّ العدالة هي ما يجعل المقاومة إنسانية، أما الانتقام الأعمى، فيجعلها نسخة أخرى من القهر الذي نحاربه.

ختامًا: غزة الحقيقية لن تُعدم إنسانيتها

قد تُعدم حماس أفرادًا بتهمة التعاون، وقد تُرهب آخرين باسم الانضباط الثوري، لكن لن تستطيع أن تُعدم ضمير غزة.

غزة التي نعرفها ستبقى صوتًا للحياة، لا منصةً للإعدامات.

وإن أرادت حماس أن تبقى جزءًا من التاريخ، فعليها أن تتعلّم أبجدية الدولة: العدالة، الشفافية، والمسؤولية أمام الناس… لا أمام البنادق.

مقالات الرأي

آخر الأخبار