أعادت الحرب السودانية التي تدور رحاها الآن في جنوب الوادى إشكالية "الديمقراطية" من جديد والتي ترى فيها شعوب الدول النامية "الحلم" للخلاص من كل الأزمات.. كما أعادت أيضًا تلك النزاعات للذاكرة "ثورات الربيع العربي" التي شهدتها عدة دول عربية قبل نحو عقد من الزمان بزعم الوصول أيضًا إلى "الديمقراطية" التي فيها الدواء الشافي من كل داء فكان الخراب والدمار اللذين مازالا يلقيان بتداعياتهما على كل شعوب "الربيع العربي" بلا استثناء حتى الآن وربما لسنوات مديدة وأزمنة عديدة قادمة.!

وفى اعتقادي أن كل المزاعم المثارة لاسيما لدى شعوب تلك الدول حول مسألة "الديمقراطية" بعيدة كل البعد عن الصواب لأنه في الواقع لا يوجد نموذج موحد للديمقراطية مثلما لا يوجد لها "روشتة" يؤدي الالتزام بها إلى تحقيق الهدف المنشود.

"الديمقراطية" لها نماذج متعددة وربما لا حصر لها وما يصلح منها لدولة من الدول أو لشعب من الشعوب ليس بالضرورة أن يكون صالحًا لدولة أخرى أو لشعب آخر.!

إنه الفهم الغائب عن شعوب تلك الدول التي تنظر إلى الديمقراطية الغربية كونها النموذج الأمثل لتحقيق آمالها وطموحاتها فتسعى بكل السبل لتطبيق تلك التجارب في بلادها دون أي اعتبارات أو محظورات.. إنهم في الحقيقة ينتظرون ما لا ينتظر ويقيسون بغير قياس.!

لقد غاب عنهم اختلاف كل الظروف بين تلك الدول وبلادهم.. غاب عنهم المستوى الثقافى للشعوب.. غاب عنهم مستوى الوعى والمستوى المعيشي أيضًا لتلك الشعوب.

إن مشاهد التدمير والحريق التي كانت عنوانًا لثورات الربيع العربي مازالت جاثمة على الصدور ومازالت صور الفوضى والانفلات الأمني وضياع هيبة الدولة "جرس إنذار" للذين يحاولون السعي وراء تحقيق السراب.

هناك ثمة معايير عدة تجعل من كل تجربة "ديمقراطية" هي تجربة فريدة قائمة بذاتها ولا يمكن ابدا القياس عليها أو التمسك بها.. هناك العديد من الطرق لتحقيق العدالة والمساواة وإقرار مبدأ سيادة القانون بعيدًا عن فكرة "الديمقراطية" التى أصبحت الورقة المثلى لخراب البلدان وتدمير الشعوب.

إن نظام الحكم الأمثل لأى دولة من الدول هو النظام القادر على تحقيق التنمية والنهوض بالشعب وتحقيق آماله وطموحاته مهما اختلفت أدواته أو تعددت أنظمته أو مسمياته.