الثلاثاء، 30 أبريل 2024 09:08 صـ
بوابة المصريين

رئيس الحزب د. حسين ابو العطا

مقالات الرأي

فيفيان سمير تكتب: هجرة القلوب

فيفيان سمير
فيفيان سمير

رغم أن وسائل الاتصال الحديثة قد جعلت العالم قرية صغيرة، واختصرت المسافات، فإن معاناة الآباء والأمهات جراء هجرة أبنائهم، بدافع البحث عن عمل أو بدافع متابعة التعليم، لا تخف مرارتها وإن تقبلوا الواقع المؤلم الذي فرضته ضرورات الحياة في هذا العصر، خاصة إذا استوطنوا الأبناء في البلد الأجنبي، وانقطعت الصلة بوطنهم الأم وتجاهلوا في غربتهم السؤال عن الأهل، مما يجعلهم يشعرون أن قطعة منهم قد غابت عنهم، وتعجز وسائل الاتصال والتواصل الحديثة تعويضهم عن ذلك؛ فهي لا تغني عن اللقاء الشخصي الذي تبقى له مشاعر حميمية لا توصف بالنسبة للوالدين، وخصوصا كلما تقدم بهما العمر، ويتألموا لفراق الأبناء ومع ذلك يبقى احترامهم لطموحاتهم في تحقيق ذاتهم وأحلامهم بحياة أفضل في الخارج، مما يشجع الأولاد على المضي في السفر دون التوقف كثيراً عند معاناة أهلهم؛ فهي كما يقال "سنّة الحياة"، لكنْ ثمة ألم ناجم عن جحود بعض الأبناء، حيث يهملون التواصل مع أهلهم والنتيجة أن جزءاً كبيراً من أمراضهم النفسية والعضوية سببها معناتهم من غياب الأبناء، وإهمالهم لمشاعرهم، وتتفاقم المشكلة وتتضخم أكثر لو كان أحد الوالدين قد رحل، وعلى الأب أو الأم الوحيد أن يتحمل المزيد من ألم الوحدة والاغتراب بوطنه الخالي من السند في شيخوخته، ولا يبقى له سوى التفكير الدائم في الأبن الغائب، والذكريات والصور بمراحل عمره المختلفة، والدموع كلما رأى شيئاً يذكّره به، أو أعد طعاماً يحبه، أو شاهد فيلما اعتادا الاستمتاع بمشاهدته سويا، وتزيد قسوة الوحدة في المناسبات الدينية والاجتماعية التي عادة يجتمع فيها الأبناء بالبيت الكبير، أي بيت الوالدين، لكن بدلا من صخب الأبناء والأحفاد والضجيج المحبب، وفرحة اللمة، يخيم سكون مقيت يقطع نياط القلب المكلوم بوحدته، لكن ما باليد حيلة غير محاولة التعزي ومواساة نفسه، بأن أبنه يحيا حياة أفضل ويعمل لتأمين مستقبله ومستقبل أسرته الصغيرة، ليتمكن الولد الوحيد من الاستمرار، مُخبئا ألماً دفيناً يقتله ببطء، وقد يهرب إلى حلم أن يجمعهما الله يوما ما، فيتقوى على مواصلة الحياة على أمل يعلم جيدا أنه لن يتحقق، لكنه يظل أملا يتشبث به؛ فالعيش بمفرده تجربة مرّة، ولكن لا بد للحياة من أن تستمر. نعم لا يمكن أن يكون الأبناء نسخة مكررة من الآباء والأمهات، وأن طبيعة الوالدين تقتضي منهم مراعاة ظروف الأبناء وأحلامهم ورغباتهم في تحقيق طموحاتهم وتطلعاتهم، على ألا تسرقهم الغربة لدرجة قسوة القلب وتبلد المشاعر، فهذا يزيد الآباء والأمهات حرقةً وتمزقاً، بل عليهم على الأقل تصبيرهم عن طريق التواصل الدائم معهم عبر وسائل الاتصال، وكذلك أن يقلل الأبناء من فترات الاغتراب عن الوطن قدر الإمكان، وليتحلى الأبناء المغتربون بمزيد من الحنان والرأفة تجاه آبائهم وأمهاتهم، ليعينوهم على تحمل الشوق والحنين وسنوات الوحدة، التي يعيشونها بعيداً عن قلوبهم التي اشتد عودها وقررت أن تهجرهم.

فيفيان سمير هجرة القلوب

مقالات الرأي

آخر الأخبار