فيفيان سمير تكتب: نظرية الأوج وعيد النيروز
بوابة المصريينازدهرت حضارة مصر القديمة بعظمتها وتقدمها العلمي، ومن بين العلوم التي استقرت بها نظرية الأوج الفرعونية، التي تثير العديد من التساؤلات حتى اليوم. في ظل تلك الحضارة العظيمة، كان الفراعنة يعتبرون الفلك والسماء جزءًا لا يتجزأ من حياتهم اليومية ومعتقداتهم الدينية. كانوا يقدرون حركة النجوم والكواكب وكانوا يقيمون رؤية السماء بأهمية كبرى؛ فكانت لديهم معرفة متقدمة بأنظمة الفلك وحركة الكواكب. تعتمد نظرية الأوج على فكرة أن هناك دورة تتكرر بانتظام تتأثر بها حياة البشر والكون بشكل عام. يُعتقد أن الفراعنة كانوا يرون أن هناك علاقة مباشرة بين ما يحدث في السماء وما يحدث على الأرض.
وفقًا لنظرية الأوج، يجري تأريخ الأحداث والظواهر الطبيعية بناءً على مواقع النجوم والكواكب وحركتها في السماء، ومن المثير للاهتمام أن الفراعنة كانوا يعتقدون أن هناك تأثيرًا مباشرًا للنجوم والكواكب على شخصياتهم وسلوكهم، وكانوا يربطون بين حركة السماء ومزاج الإنسان وحتى القرارات السياسية، وحياتهم اليومية وعلى تقدم حضارتهم، وعلى ظواهر كالزلازل والفيضانات، بفعل التوازن والتناغم بين العناصر السماوية والأرضية، وكيف يمكن لهذا التوازن أن يؤثر على مسار الحياة والتاريخ.
على الرغم من بساطة مفهومها، إلا أن نظرية الأوج تحمل بين طياتها الكثير من الحكمة والفلسفة التي تستحق البحث والتأمل، إنها تعتمد على قوى خارقة تحكم الكون وتوجه مسار الأحداث، وأن هذا التوازن يُجَسد في السماء والأرض وفي قلوب البشر.
يُعتقد أن الفراعنة استخدموا النجوم والكواكب كأدوات لقياس الزمن وتقديم تنبؤات للمستقبل. كانوا يبنون تقويماتهم وجداولهم الزمنية بناءً على حركة السماء ودورة النجوم، وكانوا يحتفظون بسجلات دقيقة للأحداث الفلكية.
عندما ننظر إلى علاقة السنة القبطية عند قدماء المصريين بنظرية الأوج، نجد أن هناك ترابطًا عميقًا بين العلم الفلكي والديني والثقافي في حضارة مصر القديمة. كان الفراعنة يرون في الكون والنجوم والكواكب إشارات ورموز تحمل الحكمة والتوجيه. تعتبر السنة القبطية، التي كان يستخدمها الفراعنة لتقسيم العام، من أهم العناصر التي كانت تتجاور مع نظرية الأوج، كانت هذه السنة تعتمد على حركة الشمس ودورتها وكانت ترمز إلى تجدد الحياة والتوازن في الكون.
من خلال تحليل عميق لهذه العلاقة، نجد أن السنة القبطية كانت تعكس تقدير الفراعنة للطبيعة، وكانت تجسد مفهوم الدورة الحيوية والتجديد والتوازن الذي كانوا يؤمنون به. وهنا يظهر تأثير نظرية الأوج على تقسيم الزمن والتقويم القبطي؛ حيث يرى الفراعنة أن الزمن له تدفق ودورة معينة تتأثر بحركة النجوم والاجرام. ونظرية الأوج كمنظومة تفسر حركة الكواكب وتأثيرها، كانت هذه العلاقة تعكس الفلسفة التي كانت تحكم حياة الفراعنة، وكيف كانوا يبحثون عن النظام والتناغم في كل جوانب حياتهم.
والنيروز أو عيد رأس السنة المصرية هو أول يوم في السنة الزراعية الجديدة، و قد أتت لفظة نيروز من الكلمة القبطية ( ني - يارؤو ) = الأنهار و ذلك لأن هذا الوقت من العام هو ميعاد اكتمال موسم فيضان النيل، سبب الحياة في مصر، و لما دخل اليونانيين مصر أضافوا حرف السي كعادتهم؛ فأصبحت نيروس فظنها العرب نيروز الفارسية.
ولارتباط النيروز بالنيل أبدلوا الراء باللام فصارت نيلوس و منها أشتق العرب لفظة النيل العربية. أما عن النيروز الفارسية فتعني اليوم الجديد ( ني = جديد , روز= يوم ) و هو عيد الربيع عند الفرس و منه جاء الخلط من العرب. وأول من احتفل بعيد رأس السنة القبطية العلامة المصري القديم توت، الذى قسم السنه الى 12 شهر، وجعل بداية أيام فيضان النيل هو اول أيام السنة، ولذلك دعوا الشهر الأول باسمه شهر توت. وكان المصريون عبر التاريخ يقيمون الاحتفالات والمهرجانات العظيمة احتفالا بهذه المناسبة، ولما دخل العرب مصر استمر الاقباط في الحفاظ على عادة الاحتفال برأس السنة القبطية، وكان العرب كلهم يشاركون المصريين تلك الاحتفالات، حتى أن الدولة نفسها كانت تعتبر ذلك اليوم عيدا رسميا، تمنح فيه المنح والهبات، وتجعله موسما عاما للبهجة والفرح.
يبدأ العام القبطي بشهر "توت"، الذي كان يعتبر شهر الخصب والإنتاج والمحاصيل، توت ري ولا تموت. يليه شهر "بابه"، الذي كان يمثل النمو والتجديد، حيث كانت الطبيعة تعبر عن قوة الحياة، بابه خش واقفل البوابة "اتقاء للبرد". ثم يأتي شهر "هاتور"، الذي كان يرمز إلى الفرح ويعتبر شهر الحب والجمال. كان الفرصة المثالية للاحتفالات والمهرجانات والرقص احتفالا بموسم القمح، هاتور أبو الدهب منثور "أي القمح" أو إن فاتك هاتور اصبر لما السنة تدور. بعد ذلك يأتي شهر "كيهك"، الذي كان يمثل الشتاء والبرودة والهدوء، كانت فترة للتأمل والاستعداد لموسم الزراعة القادم، صبحك مساك شيل يدك من غداك وحطها في عشاك، وهذا يرمز إلى أقصر أيام السنة. يليه شهر "توبه": الذي كان يمثل النقاء والتطهير، وكان يعتبر شهرًا للصوم والتوبة والاستعداد للبدء من جديد، تخلى الشابة كركوبة نسبة إلى "البرد الشديد. ثم شهر "أمشير": كان يرمز إلى الربيع والنمو والازدهار، وكانت فترة تحمل الأمل والتجدد بعد فصل الشتاء، أمشير أبو الزعابير الكتير ياخد العجوزة ويطير. ثم شهر "برمهات": كان يعبر عن التناغم والتوازن، وكان يمثل الشهر الذي يجمع بين القوة والحكمة، روح الغيط وهات " لأنه موعد نضج المحاصيل الشتوية". ثم شهر برمودة: يرمز هذا الشهر إلى الانتهاء من دورة وبداية دورة جديدة، برمودة دق العامودة "أي دق سنابل القمح بعد نضجها". ثم شهر "بشنس": كان يعتبر شهر الزراعة والحصاد، وكان يمثل الجهد والعمل الشاق لجني الثمار، بشنس يكنس الغيط كنس. ثم شهر "بآونة": كان يمثل الاستقرار والتماسك، وكان يعبر عن القوة والثبات في وجه التحديات، تنشف المياه من الماعونة وهذا يرمز إلى شدة الحر. ثم شهر "أبيب": كان يرمز إلى الحب والجمال، وكان يعتبر شهر السعادة والاحتفالات، "أبيب أبو اللهاليب" لشدة الحر. ثم شهر "مسري": كان يمثل النجاح والتقدم، وكان يعبر عن الازدهار والرفاهية، "مسرة تجرى فيه كل ترعة عسرة وهذا يرمز إلى ازدياد مياه الفيضان فتغمر الأرض. ثم شهر "نسي": أصغر الشهور حوالي 4 أيام فقط، كان يعبر عن الوداع والتحول، وكان يمثل النهاية، تزرع أي شيء حتى لو في غير أوانه".
تُظهر بعض الأدلة الأثرية والنصوص القديمة أن الفراعنة كانوا يمتلكون معرفة دقيقة بدورة السنة والفصول، وحتى بالكوارث الطبيعية مثل الكسوف والزلازل. وتظل نظرية الأوج تحفة فلكية وفلسفية تجسد حكمة الفراعنة وإيمانهم بالتوازن والتوافق بين السماء والأرض.
قد تبقى نظرية الأوج الفرعونية واحدة من أكبر الألغاز التي تحيط بحضارة مصر القديمة، وربما تظل هذه النقطة من التاريخ محفوظة في ذهننا كتساؤل يحفزنا على استكشاف المزيد والمزيد من أسرار تلك الحضارة الرائعة.
كل سنة مصرية وأنتم طيبين ومصر وشعبها بخير وسلام.