هدى صالح تكتب: ما كان لك… وصل إليك


ليست كل العيون التي تنظر إلينا ترى ما نراه نحن.
فبعضها لا يرى سوى ما يفتقده، ولا يفسّر النعمة إلا بوصفها خطأ في التوزيع، أو ظلمًا في القسمة.
في حياتنا اليومية، نواجه أحيانًا تدخلًا غير مُبرَّر في اختياراتنا، أو تقليلًا مما نملك، أو تشكيكًا فيما وصلنا إليه؛ كأن ما نعيشه أو نمتلكه لم يكن نتيجة تعب أو سعي، بل جاء مصادفة، أو بالخطأ، أو لأن القدر أخطأ حين منحنا ما لم نُقدِّره في نظر غيرنا.
هذا النوع من النظرة لا يصدر دائمًا عن عداء صريح، بل غالبًا ما يتخفّى في صورة نصيحة، أو تعليق عابر، أو مزاح يحمل بين كلماته استخسارًا صامتًا لكل ما هو خارج عن دائرة امتلاكهم.
الحقيقة أن المشكلة ليست في النعمة ذاتها، بل في العجز عن تقبّلها حين تكون في يد غيرهم.
فالإنسان الذي يصالح نفسه لا يضيق بما عند الآخرين، ولا يشعر أن العالم انتقص منه حين أعطى غيره.
النظر إلى المظهر الخارجي، أو إلى مظاهر النجاح، حتى وإن كانت بسيطة أو مؤقتة، قد يثير غيرة غير مبرَّرة؛ لأن المقارنة حين تتحول إلى حسد، تفقد معناها الطبيعي، وتتحول إلى عبء نفسي لا يرهق إلا صاحبه.
لكن الأرزاق لا تُقاس بالمقارنة، ولا تُدار بالرغبات، ولا تنتقل لأن أحدهم رأى نفسه أحقّ بها.
فما كان لك، وصل إليك، وما لم يكن لك، لن تمنحه لك كل أمنيات العالم.
النعمة لا تحتاج إلى تبرير، ولا إلى دفاع، ولا إلى تصغير لإرضاء من لا يحتملون وجودها.
هي مسؤولية قبل أن تكون امتلاكًا، وامتحان في الشكر قبل أن تكون زينة.
وفي النهاية، لا يخسر الإنسان شيئًا حين يحفظ نعمته في صمت، ويمضي في طريقه بثقة، مدركًا أن القسمة لا تخطئ، وأن ما وصل إليه لم يصل بالخطأ.
وعلى كل إنسان أن يحمد الله على ما لديه، وألا ينشغل بمقارنة نعمه بما في أيدي الآخرين؛ فخلف كل صورة قد تختبئ متاعب لا نراها، من مرضٍ، أو فقدٍ، أو همومٍ صامتة لا يعلمها إلا الله.
























