هدى صالح تكتب .. ”الثقة” خيط رفيع إذا انقطع صعب إعادته


الثقة ليست مجرد كلمة عابرة، بل هي الركيزة التي تقوم عليها كل علاقة إنسانية. هي الجسر الذي يربط بين القلوب، والضمانة التي تجعل التعامل سهلاً وصادقاً، سواء كان بين الأب وأبنائه، أو بين الأصدقاء، أو بين الزملاء في العمل، أو بين الزوج وزوجته. ولكن ماذا يحدث عندما ينهار هذا الجسر وتضيع الثقة؟
بين الأبناء والوالدين، تبدأ القصة حين يشعر الطفل أن والده أو والدته لا يفيان بوعودهما، أو يستخفان بمشاعره. شيئاً فشيئاً يتكون حاجز نفسي ويفقد الإحساس بالأمان. وبين الأصدقاء، قد تكفي كلمة واحدة أُفشيت أو موقف من الخيانة البسيطة لتكسر سنوات من الود وتحول العلاقة إلى مجرد ذكريات. أما بين الزملاء في العمل، فإن غياب الأمانة المهنية أو استغلال الفرص على حساب الآخرين يخلق بيئة مشحونة بالتوتر والشك. وفي الحياة الزوجية، لا شيء يهز العلاقة مثل الخيانة أو الكذب، فعندما تنهار الثقة بين الزوج وزوجته يتحول البيت من مكان للراحة إلى ساحة من الصراع والبرود العاطفي.
الآثار الناتجة عن فقدان الثقة عميقة ومتعددة. التواصل ينهار، فالكلمات تفقد قيمتها لأن الطرف الآخر لم يعد يصدق. تنتشر الشكوك، فيُفسر كل تصرف بشكل سلبي ويُبنى عليه أسوأ الاحتمالات. يظهر الانعزال النفسي، فالشخص الذي جُرح مرة قد يرفض فتح قلبه مجدداً خوفاً من الخذلان. وفي النهاية، تتفكك الروابط سواء داخل الأسرة أو في العمل أو في الصداقة، لأن غياب الثقة يفتح الباب للانفصال والتباعد.
ومع ذلك، عودة الثقة ممكنة إذا وُجد الإصرار والصدق. تبدأ بالاعتراف بالخطأ، فالتجاهل والإنكار يزيدان الجرح عمقاً، بينما الاعتراف يفتح باب الترميم. يلي ذلك الاعتذار الصادق، فكلمات قليلة نابعة من القلب قد تكون بداية مصالحة حقيقية. لكن الأفعال أهم من الأقوال، فاستعادة الثقة تحتاج إلى إثبات عملي متكرر، وإلى وقت طويل وصبر كبير لإثبات حسن النوايا. والشفافية الكاملة هي الضمانة لعدم تكرار الشكوك.
الثقة إذا ضاعت تهدم الكثير، لكن الأمل دائماً موجود لإعادة بنائها. إنها مثل الزجاج، قد تُكسر بسهولة، لكن بمهارة وصبر يمكن إصلاحها، وإن ظل أثر الشرخ موجوداً. لذا، لنحرص على أن نكون أوفياء وشفافين، فالحفاظ على الثقة أسهل بكثير من محاولة استعادتها بعد ضياعها.
“الثقة مثل الروح، إذا غادرت الجسد لا تعود كما كانت"