الأحد، 5 أكتوبر 2025 02:54 صـ
بوابة المصريين

رئيس الحزب د. حسين ابو العطا

مقالات الرأي

هشام بيومي يكتب: بين ولادة الحرية ورعاية الاحتلال

بوابة المصريين

هشام بيومي يكتب:

بين ولادة الحرية ورعاية الاحتلال

في التاريخ الأمريكي، يطل اسمان يشكلان طرفي نقيض: توماس جيفرسون و دونالد ترامب. الأول كان مهندسًا لفكرة الحرية وحق الشعوب في تقرير مصيرها، والثاني تحوّل إلى رمزٍ لانحيازٍ أعمى للاحتلال الإسرائيلي وتفريغ القيم التي قام عليها الاتحاد الأمريكي من مضمونها.

ولد توماس جيفرسون في القرن الثامن عشر، في زمنٍ كانت فيه أمريكا مجرد مستعمرات تابعة للتاج البريطاني. كتب في إعلان الاستقلال أن "جميع الناس خُلقوا متساوين، وأن لهم حقوقًا غير قابلة للتصرف، منها الحياة والحرية والسعي وراء السعادة". هذه الكلمات لم تكن مجرد شعار، بل صارت حجر الأساس لبناء الأمة الأمريكية.

دافع جيفرسون عن الحرية الطبيعية للإنسان باعتبارها حقًا فطريًا لا يمنحه ملك ولا يسلبه حاكم.

اعتبر أن الاستعمار البريطاني قيدٌ على هذه الحرية، وأن التحرر منه ضرورة تاريخية.

كانت فلسفته قائمة على محدودية السلطة، ورفض الاستبداد، والاعتماد على قوة الشعب في صياغة مستقبله.

بعد قرنين ونصف تقريبًا، يجيء دونالد ترامب ليجلس على كرسي الرئاسة. لكن بدلاً من أن يكون وارثًا لروح جيفرسون، صار نقيضًا لها:

اعترف بالقدس عاصمةً أبدية لإسرائيل في خطوة أحادية نسفت القانون الدولي وشرّعت الاحتلال.

رعى ما يسمى بـ"صفقة القرن"، التي لم تكن سوى صفقة تصفية للقضية الفلسطينية، متجاهلاً حق الشعوب في تقرير مصيرها.

دعم الاستيطان وشرّع قمع الفلسطينيين، فصار شريكًا مباشرًا في تكريس إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل.


مقارنة المفارقات

الحرية مقابل الاحتلال: جيفرسون نادى بتحرير الإنسان من الاستبداد، بينما ترامب شرعن استعباد شعب بأكمله تحت الاحتلال.

الحقوق الطبيعية مقابل الإنكار: عند جيفرسون الحقوق غير قابلة للتصرف، أما عند ترامب فهي قابلة للبيع والمساومة متى تعلق الأمر بالمصالح.

إرث التنوير مقابل شعبوية المصالح: جيفرسون كان ابنًا لعصر التنوير، أما ترامب فهو ابنٌ لشعبوية اقتصادية وإعلامية لا ترى إلا الربح والخسارة.

المستقبل مقابل الماضي: جيفرسون فتح الطريق لولادة أمة جديدة، بينما ترامب أعاد أمريكا إلى حضن الإمبراطوريات القديمة التي تدعم الاحتلال والعنصرية.


الخلاصة

لو وقف جيفرسون اليوم وشاهد ما صنعه ترامب، لربما قال: إن ما أسسناه من حقوق وحريات قد انقلب إلى أداة لشرعنة الاحتلال. لقد كان إعلان الاستقلال وعدًا بالحرية، لكن سياسات ترامب جعلته يبدو كوثيقة متناقضة تُستخدم لتبرير القوة لا العدالة.

إن المقارنة بين الرجلين تكشف لنا كيف يمكن للقوة العظمى أن تنحرف عن مبادئ نشأتها: من أمريكا الحرية إلى أمريكا الاحتلال. وبين جيفرسون وترامب، تتجلى المأساة الكبرى: أن الشعارات العظيمة قد تصبح قناعًا يخفي أبشع الجرائم.

مقالات الرأي

آخر الأخبار