الجمعة، 20 يونيو 2025 04:41 مـ
بوابة المصريين

رئيس الحزب د. حسين ابو العطا

مقالات الرأي

فيفيان سمير تكتب: رقصة المراقِب والمُراقَب

بوابة المصريين

عزيزي القارئ هل انتابك ذات يوم ذلك التململ الخفي، وأنت تلتقط هاتفك القديم بين يديك، فتمنيت لو يحل محله جهازا أحدث وأفضل؟ فإذا به فجأة يغمض شاشته كأنه احتضر بين يديك، رافضًا أن يكون خادمك المطيع وأنت تخونه وتفكر بغيره، أو هل خطر لك أن تستبدل سيارتك الوفية، فإذا بها تتمرد وتُعاند في الطريق، كأنها تحتج؟ أراك تبتسم الآن من غرابة الفكرة، فهل يُعقل أن للجماد روحًا تشعر وتتفاعل مع مشاعرنا تجاهه؟
تصور يا صديقي أن العلم يُجيب بنعم! فالجماد يحس، بل ويَثور، وميكانيكا الكم، ذلك العالم الساحر تحت المجهر، قدمت لنا الدليل. دعني أخذك في رحلة قصيرة إلى قلب تجربة غيرت إدراكنا للواقع، تجربة "الشق المزدوج". سأريك كيف أن مجرد نظرتنا إلى الجسيمات، تلك الذرات الصامتة، تُغير من سلوكها كأنها تخجل أو تتمرد، وكيف أن وعينا بالجماد قد يجعله يرتقي من الفوضى إلى النظام، أو ينقلب علينا غضبًا ليصبح للمادة حوارًا صامتًا يحدد سلوكها.
تختبر التجربة سلوك الجسيمات (مثل الإلكترونات أو الفوتونات) عند إطلاقها نحو حاجز به شقين (فتحتين) رفيعين متوازيين. النتائج كشفت مفاجأة غيرت فهمنا للطبيعة، حيث أظهرت أن التداخل الموجي للجسيمات أثناء مرورها عبر الشقين، جعلها تتصرف كموجة ( (wave حيث تمر عبر كلا الشقين معا، وكل جسيم يتداخل مع ذاته مُشكّلاً على الشاشة الخلفية نمطا من الخطوط المضيئة والمعتمة (أهداب التداخل)، كأنه موجود في مكانين في آن واحد، أي يخبرنا بأنه كان في المكانين في ذات اللحظة وهو ما يعرف بالتراكب الكمي، وهو في واقع الأمر عبث الاحتمالات وليس التواجد الفعلي.
لكن عند وضع جهاز لمراقبة أي شق يمر منه كل جسيم، يتغير السلوك جذريًا، حيث يختفي نمط التداخل العشوائي (أي يختفي عبث الاحتمالات)، ويظهر بدلا منه كومتين من النقاط خلف الشقين، كأن الجسيم "قرر" فجأة أن يكون جسيمًا تقليديا، يمر من شق واحد فقط، ويختفي نمط التداخل الغامض ليحل محله سلوك منضبط يتفق وطبيعته (ذلك هو التواجد الفعلي). هنا التجربة تقول لنا أن فعل المراقبة حول الجسيم من حالة الاحتمالية (موجة) إلى حالة محددة (جسيم) وهو مبدأ ميكانيكا الكم. وكما قال الفيزيائي جون ويلر: "لا يكون للظاهرة الكمية واقع محدد إلا بعد أن تُلاحظ". المراقبة في حد ذاتها تُحدث فرقًا جوهريًا، والوعي ليس مجرد متفرج؛ فالمادة والضوء لهما طبيعة ثنائية "الموجة والجسيم"، والوعي الرقابي يحسم اختيارها، أي الطبيعتين تُظهر.
وبين العلم والجدل هناك تجارب مثيرة، مثل تلك التي أجراها الدكتور الياباني ماسارو إيموتو على بلورات الماء، رغم انتقادها علميًا لضعف المنهجية، ادعت التجربة أن الماء يتشكل في بلورات متناسقة عند تعريضه لكلمات "حب" و"شكر"، ويتشوه عند سماع كلمات "كراهية". كذلك قصة الثريا "الخجولة" في هاميلتون هول بإنجلترا (Candelabra Experiment) التي توقفت عن الدوران العشوائي عند مراقبتها. رغم غرابة تلك التجارب إلا أنها تُلمح لفكرة أن المادة قد تستجيب للانتباه. بينما يرفض معظم الفيزيائيين هذه التأويلات، إلا أنها تعكس حدسًا عميقًا، ألا وهو الوعي والملاحظة قد يكونان قوة تفاعلية أكبر مما ندرك.
دراسة كلاسيكية عرفت بتأثير البلاسيبو نشرتها دورية New England Journal of Medicine وجدت أن ما يصل إلى 30-60% من المرضى أظهروا تحسنًا ملحوظًا عند تناول دواء وهمي (بلاسيبو)، إذ اعتقدوا أنه حقيقي. الاعتقاد فقط أحدث تغييرًا بيولوجيًا ملموسًا، في تجسيد عملي لفكرة أن التوقع، وهو شكل من أشكال "المراقبة" الداخلية، يغير الواقع الفسيولوجي.
الآن صديقي قف على شاطئ الكون، وانظر إلى الأمواج العميقة للواقع، فهل يمكن أن تكون أفكارنا ومشاعرنا قوة فيزيائية تشكل العالم؟ هل تتحول المشاعر القوية ل "شحنة كمية" تكون بمثابة طاقة تُحدث اضطرابًا في حقل الاحتمالات الكمي. التجارب في علم النفس العصبي مثل تلك المنشورة في دورية (Nature Neuroscience )، تُظهر أن المشاعر الإيجابية تعزز المرونة العصبية وتوسع نطاق الانتباه، مما قد يجعل المرء أكثر انسجامًا مع الفرص الإيجابية في محيطه، وكأنه "يرصدها ويجذبها" بشكل أفضل.
هذا هو قلب "قانون الجذب"، الفكرة الشهيرة التي تقول أن المشاعر الإيجابية تجذب الخير، والتركيز على الهدف يحققه. لكن هل هذا مجرد كلام تحفيزي، أم له جذور في ظواهر العلم؟ هنا يلتقي العلم الغريب لفيزياء الكم، حيث تطفو تجربة "الشق المزدوج" ذلك اللغز الذي هز عرش الواقع الموضوعي، مع الفلسفة الروحية لفكرة "قانون الجذب"؛ فهل قانون الجذب هو "مراقبة" متعمدة للواقع المطلوب؟ أي يتحول التركيز إلى مراقبة تضبط طاقة الكون. يعمل قانون الجذب من خلال "التركيز" الواضح والمستمر على الهدف أو الحالة المرغوبة (الصحة، الثراء، العلاقات). هذا يشبه وضع جهاز المراقبة في تجربة الشق المزدوج. التركيز العقلي والعاطفي الشديد قد يعمل كـ "أداة قياس" للواقع، مختزلا الاحتمالات الكمية العديدة نحو احتمال واحد وهو ما تركز عليه. دراسة أجرتها جامعة ييل عام (2018 (نشرت في " PLOS ONE" أظهرت أن المتأملين المتمرسين، بقدرتهم على التركيز العميق، كانوا أكثر قدرة على التأثير في نتائج مولدات الأرقام العشوائية البسيطة، مقارنة بغير المتأملين، مما يشير إلى تفاعل غامض بين الوعي والمادة.
هل يعني هذا أن قانون الجذب حقيقة فيزيائية كقانون نيوتن؟ لا، ليس بالدقة نفسها. لكن تجربة الشق المزدوج تقدم إطارًا علميًا مدهشًا لفهم كيف قد يكون للوعي والنية تأثير على تشكل الواقع، من خلال فلسفة الجسر بين الفيزياء والروح، حيث طرح ويلر مفهوم الكون "المشارك" (Participatory Universe) بناءً على تجربة الشق المزدوج؛ فيقول نحن لسنا متفرجين سلبيين، بل شركاء فاعلون في خلق التجربة. التركيز واليقين في قانون الجذب قد يكونان شكلا من أشكال هذه المشاركة؛ فالمراقبة في الكم "تختار" مسارًا واحدًا من بين احتمالات كثيرة، كذلك التركيز العقلي والعاطفي في قانون الجذب قد يعمل بطريقة مشابهة، "يُسقط" احتمالات المستقبل نحو المسار الذي نركز عليه بشدة.
وكما قال الفيلسوف ويليام جيمس: "انتباهك... هو أنت. أنت حيث يكون انتباهك". تجربة الشق المزدوج تعلمنا أن الانتباه (المراقبة) يغير سلوك ما يُنتبه إليه. قانون الجذب يحول هذا إلى أداة عملية، انتبه للخير، فيتجلى.
ليست تجربة الشق المزدوج دليلا مباشرًا على قانون الجذب بصورته المبسطة، لكنها كشفت عن سر كوني عميق، المراقبة فعل خلاق، وقانون الجذب، في جوهره الفلسفي، يستند إلى هذا الحدس. وعينا ليس مرآة سلبية للواقع، بل مصباح يُضيء مسارات معينة في ظلام الاحتمالات. عندما تركز بثبات على هدفك بشعور عميق باليقين والإيمان، فإنك لا تُسحر الكون ليعطيك إياه من العدم، بل تصبح مثل العالم في مختبر الكم، تراقب باهتمام عن كثب، فتساعد في "اختيار" واقع من بين الأكوان المتوازية الكامنة في حقل الاحتمالات اللامتناهي.
قد لا نسيطر على كل تفاصيل الوجود، ولكن تجربة الشق المزدوج وقصص الاستجابة الغامضة للمادة، تهمس بحقيقة أننا لا نكتشف الكون فقط، بل نستدعيه بنظراتنا، ونشارك في نحته برغباتنا، ونختبره بمشاعرنا، وحتى توقعاتنا، هي أدوات تشكيل نشطة. كما قال الفيلسوف كارل بوبر: "كل ملاحظة هي تدخل في الطبيعة". وكما قال الفيزيائي الشاعر آرثر إدينجتون: "الكون يبدو أكثر شبهاً بالفكر العظيم منه بالآلة العظيمة". فليكن فكرك عظيما، ولتراقب بعين تنتظر الجمال، لعل الكون، كالإلكترون الخجول، يستجيب.

وللحديث بقية......

مقالات الرأي

آخر الأخبار