الخميس، 4 ديسمبر 2025 05:41 صـ
بوابة المصريين

رئيس الحزب النائب المستشار/ حسين أبو العطا

مقالات الرأي

هدى صالح تكتب : حين يصنع الإنسان وهمه… ويستيقظ بعد فوات الأوان

بوابة المصريين

أحيانًا لا يحتاج الإنسان إلى سلسلة طويلة من التجارب ليكتشف الحقيقة… بل يكفيه موقف واحد يهز أعماقه ويكشف له كم كان يعيش داخل دائرة وهم صنعها بيديه. لحظة واحدة فقط قد تُسقط أقنعة السنوات، وتجعله يدرك أنه منح حياته ووقته ومشاعره لشيء لم يكن يستحق جزءًا مما أعطاه.
يستيقظ فجأة من حلم كان يظنّه واقعًا، ليرى أنه كان يركض خلف سراب، وأن القيمة التي ظنّها ثابتة لم تكن سوى انعكاس لرغباته واحتياجه وتعظيمه لشيء لا يملك ثقل الحقيقة.
إنها لحظة قاسية… لكنها أصدق ما يمكن أن يمر به الإنسان من محطات فارقة تغير اتجاه العمر كله. نحن أحيانًا نعيش سنوات طويلة أسرى لفكرة أو علاقة أو ذكرى بنينا لها مكانة ضخمة داخل عقولنا، حتى أصبحت محورًا لقراراتنا ومشاعرنا. ومع الوقت تتحول تلك الفكرة إلى قيمة كبيرة، ليس لأنها عظيمة، بل لأننا نحن من منحناها تلك القيمة.

ومع مرور الأيام ونضج التجارب، يكتشف الإنسان الحقيقة المؤلمة: أن ما تمسّك به لم يكن يستحق هذا الحجم من التقديس، وأنه لم يكن سوى وهم غذّاه الخيال والمبالغة والمشاعر غير الواعية. يفهم حينها أن المشكلة لم تكن في الشيء نفسه، بل في الوزن الذي وضعه هو له. فالقيمة الحقيقية لم تكن فيه، بل كانت في الاهتمام الذي ضُخّ، وفي المشاعر التي صُرفت، وفي الوقت الذي أُهدر.

هذا الإدراك يأتي غالبًا متأخرًا، محمّلًا بندم ثقيل على عمر ضاع بلا مقابل وعلى سنوات لم تعد. لكن الندم نفسه يتحوّل مع الوقت إلى درس عميق يمنح صاحبه بصيرة جديدة، ويجعله يرى الأمور على حقيقتها لا على ما يرغب أن تكون عليه. فالتجارب القاسية تفتح أبواب الوعي، وتجعل الإنسان أكثر قدرة على التمييز بين الحقيقة والوهم، وبين ما يستحق وما لا يستحق.

ومن هذه التجربة القاسية يتعلّم الإنسان أعظم الدروس: ألّا يمنح قيمة لشيء أكبر من حجمه، وألّا يربط مصيره بفكرة أو علاقة تقوم على الخيال لا الواقع، وألّا يسمح لأحد أو لشيء أن يستهلك عمره على حساب نفسه. فالوقت هو رأس المال الحقيقي، وإذا ضاع لن يعود.

وفي النهاية، يبقى أكبر انتصار يحققه الإنسان هو أن يعرف نفسه قبل أن يعرف الآخرين، وأن يميّز الحقيقة من الوهم قبل أن يدفع عمره ثمنًا لا يُعوّض. فالتجارب القاسية لا تأتي لتكسرنا، بل لتُوقظ وعينا وتحمينا من أخطاء أكبر.
فليكن هذا الدرس علامة مضيئة للأجيال الجديدة: لا تجعلوا أوهامكم تقودكم، ولا تمنحوا أيامكم لشيء لا يزيدكم قيمة. تعلموا أن تتراجعوا عندما يجب، وأن تحموا قلوبكم من التضخيم، وأن تعيشوا بوعي يبقيكم بعيدين عن الندم.
فالحقيقة قد تأتي متأخرة… لكنها حين تصل يجب ألا تكونوا قد خسرتم أنفسكم في الطريق.

مقالات الرأي

آخر الأخبار