هشام بيومي يكتب: أيقونة الإرادة


حين يولد الإنسان محاطًا بالقيود، يظن الكثيرون أن حياته ستظل أسيرة لهذه القيود. لكن هناك من يحوّلها إلى سلّم يرتقي به إلى القمم. هذا ما فعله طه حسين، الرجل الذي تحوّل من طفل كفيف في قرية فقيرة إلى رمز خالد في تاريخ الفكر والأدب.
ولد طه حسين في صعيد مصر وسط أسرة بسيطة، وفقد بصره في طفولته المبكرة، لكن هذا الظلام لم يكن نهاية الطريق، بل كان بداية مسيرة نور أضاءت حياة ملايين من العرب. لم يستسلم لليأس، بل تسلّح بالعلم، فحفظ القرآن صغيرًا، ثم واصل طريقه حتى صار أول مصري يحصل على الدكتوراه من جامعة السوربون في فرنسا.
تحدياته لم تكن عادية؛ كان يعاني من الفقر، ومن فقدان البصر، ومن سخرية البعض، لكنه أثبت أن العقل المستنير أقوى من كل عجز، وأن الإصرار يصنع المعجزات. تحوّل من طفل كفيف في قرية صغيرة إلى "عميد الأدب العربي"، ومفكر أحدث ثورة في الفكر والنهضة الثقافية في مصر والعالم العربي.
طه حسين لم يكن يملك رفاهية الظروف المواتية، لكنه امتلك أعظم سلاح: الإرادة والمعرفة. لقد أثبت أن النجاح لا يحتاج إلى عيون ترى، بقدر ما يحتاج إلى قلب يؤمن، وعقل يفكر، ونَفَس طويل لا يعرف الاستسلام.
طه حسين لم يكن استثنائيًا بظروفه، بل بإصراره. لم ينتظر أن تهديه الحياة طريقًا ممهدًا، بل صنع طريقه وسط الأشواك. كان يؤمن أن "العقل نور"، وأن من يستسلم للظلام إنما يقتل بداخله القدرة على الحلم.
طه حسين لم يكن يرى بعينيه، لكنه كان يبصر بالمستقبل الذي أراده لنفسه ولأمته. وهكذا يصبح الإنسان عظيمًا: حين لا يرضى أن يكون أسيرًا للواقع، بل صانعًا لمستقبل أكبر منه.