الأحد، 26 أكتوبر 2025 05:21 صـ
بوابة المصريين

رئيس الحزب النائب المستشار/ حسين أبو العطا

مقالات الرأي

هشام بيومي يكتب: ”مولد الجهل... وموت العقل!”

بوابة المصريين

في مدينة طنطا، حيث تُرفع الرايات وتُقرع الطبول وتُشعل الشموع حول مقامٍ من حجر، يتوافد الآلاف من كل حدب وصوب، لا ليحتفلوا بعلمٍ أو إنجاز، بل ليُقيموا طقوسًا تفيض خرافةً وجهلًا وشركًا، تحت لافتةٍ مزخرفة تقول: مولد السيد البدوي.
لكن أيُّ “سيّد” هذا الذي جعل الناس تسجد لقبره وتستغيث باسمه؟!
وأيُّ “وليّ” ذاك الذي صار رمزه ميدانًا لبيع الأوهام، لا للوعي والرحمة والعلم؟

تتراقص الجموع على وقع الدفوف، تُنثر البخور، وتُنحر الذبائح، وتُعلَّق القلوب بميتٍ لا يسمع ولا يضرّ ولا ينفع!
أهذه هي ديار الأزهر؟ أهذه هي أرض مصر التي أخرجت للعالم أمثال الشافعي والعز بن عبد السلام وابن خلدون؟
كيف تحوّل الدين الذي بُعث ليحرّر الإنسان من عبادة البشر إلى طقوسٍ تُعيده إلى جاهليةٍ جديدة باسم الأولياء والصالحين؟!

إنها ليست قصة “مولد” بل مأساة موتٍ جماعي للعقل.
حين يُترك الناس فريسةً لثقافة التقديس الأعمى، وتتحول العقيدة إلى أسواقٍ للبدع، والعبادة إلى عروضٍ فولكلورية تُدرّ الملايين على الدجالين باسم "البركة"، فاعلم أن الدين صار تجارة، والجهل صار طقسًا مقدّسًا.

لقد آن الأوان أن نقولها بصوتٍ عالٍ: تجديد الخطاب الديني ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة وجودية.
فالدين الذي لا يتجدّد، يتعفّن.
والعقل الذي لا يُسائل، يُستعبد.
ولا خلاص لأمةٍ تُقدّس القبور وتنسى العقول.

نعم، نحن نحب آل البيت، ونجلّ أولياء الله الصالحين، ولكننا نكره أن يُتخذ حبهم جسرًا إلى الشرك والضلال.
نرفض أن تُختزل الروح الإسلامية في الموالد، والكرامات المزعومة، والخرافات التي لا أصل لها من كتابٍ أو سنّة.
أولياء الله الحقيقيون هم الذين قال عنهم القرآن:

> "الذين آمنوا وكانوا يتقون."
وليس من يُروى عنهم أنهم بالوا على المارة أو نطقوا بما لا يليق في بيوت الله!

يا علماء الأمة، إن السكوت عن هذا اللون من التدين الزائف جريمة في حق الإسلام نفسه.
ويوم تُترك العقول للغيبوبة، ستجد أمةً تسير خلف الرايات لا خلف المبادئ، وتستسلم للسحر والشعوذة بدلًا من العلم والإصلاح.
وحينها لن ينفعنا لا “مولد” ولا “مقام”.

فلنُجدّد الخطاب الديني لا بمعنى “تزيين القديم” أو “تلطيف العبارات”، بل بإعادة الدين إلى أصله: عبادة الله وحده، بعقلٍ واعٍ، وقلبٍ حرّ.
فالدين ليس طبلًا يُقرع، ولا موكبًا يُزف، بل فكرٌ يُنير وحقيقةٌ تُحرّر.

يا من تحبّون مصر…
نظّفوا ساحاتكم من الغبار، قبل أن يختنق فيكم النور.
واجعلوا من تجديد الخطاب الديني معركة وعيٍ لا تقلّ شأنًا عن معركة تحرير الأرض.
فالعقل حين يُستعبد، لا يبقى للوطن معنى، ولا للإيمان حياة.

مقالات الرأي

آخر الأخبار