الأربعاء، 26 نوفمبر 2025 07:03 صـ
بوابة المصريين

رئيس الحزب النائب المستشار/ حسين أبو العطا

مقالات الرأي

هشام بيومي يكتب: خط احمر

بوابة المصريين

في بلدٍ تتجاور فيه عشرات نظم التعليم — حكومي وتجريبي وخاص ودولي — يطفو على السطح عفنٌ لا يمكن تجاهله بعد الآن: جرائم التحرش الجنسي بالأطفال داخل المدارس الخاصة والدولية.
هذه ليست “وقائع فردية” كما يحب البعض أن يخفف وقع الحقيقة… بل جرس إنذار مدوٍّ يعلن أننا أمام خلل عميق في الضمير التربوي، وفي المنظومة التي منحت صلاحيات بلا رقابة، وثقة بلا ضمان، وقوة بلا مسؤولية.

ما يحدث ليس حادثًا عابرًا، بل فضيحة مجتمعية كاملة الأركان.

أولًا: حين تتحول المدرسة من مكان للتعلم… إلى مساحة للخوف

لقد كنا نتصور المدارس الدولية نموذجًا للانضباط والوعي والمعايير الأخلاقية.
لكن فجأة نجد أنفسنا أمام واقع مرير:
طفلٌ يعود إلى منزله مرتجفًا، لا يفهم ما حدث، ولا يملك لغة يشرح بها الألم… ومدرسة تكتفي بالبيانات الملمّعة وعبارات “نحقق في الموضوع”.

أي تحقيق هذا؟
وماذا تبقى من الثقة حين يصبح الجسد الصغير هدفًا سهلًا خلف الأبواب المغلقة؟

المصيبة ليست في الجريمة وحدها، بل في التربّص الذي يحدث في مكان يفترض أنه الأكثر أمانًا.

ثانيًا: المشكلة ليست متحرشًا… بل نظام كامل بلا ضمير

لابد أن نتوقف عن تعليق كل شيء على “شخص مريض”.
التحرش داخل المدارس لا ينبت من فراغ.
إنه نتيجة:

تعيينات بلا فحص خلفية جنائية أو نفسية.

غياب سياسة حماية واضحة.

إدارة تخشى السمعة أكثر مما تخشى على الطفل.

ثقافة صمت تخنق الحقيقة.

الخلل ليس في الأفراد فقط، بل في منظومة تعتبر كل شيء مباحًا طالما يدفع الأهالي المصروفات بالدولار.

ثالثًا: لماذا تخاف المدارس؟ ولماذا يدفع الأطفال الثمن؟

لأن كثيرًا من المدارس الخاصة والدولية تدار كبيزنس لا كمؤسسات تعليمية.
السمعة تُشترى.
والصمت يُباع.
والطفل… أرخص ما في المعادلة.

ولهذا، يحدث الانتهاك ويُخفي، ويُضغط على الأهالي، وتُبرم “تفاهمات” مريضة تضمن أن يخرج الجميع بأقل خسائر ممكنة…
إلا الطفل.

الطفل وحده الذي يبقى مع الندبة إلى آخر العمر.

رابعًا: نقولها بوضوح: مصر تحتاج “وثيقة إلزامية لحماية الطفل” داخل كل مدرسة

وليس مجرد لائحة مبهمة على ورق.

نحتاج إلى وثيقة صارمة تتضمن:

تعريفًا محددًا للتحرش والانتهاك، بلا تأويلات ولا تلطيف.

حظر بقاء أي طفل مع موظف في غرفة مغلقة.

كاميرات إلزامية في المناطق الآمنة.

خط سري للتبليغ.

لجنة حماية مستقلة في كل مدرسة.

سجل يومي للأنشطة خاصة في مراحل الحضانة.

المؤسسات التعليمية لا تُصلح نفسها بالوعظ…
بل بالقوانين التي لا ترحم المتخاذلين.

خامسًا: المعلم قبل أن يدخل الفصل… يجب أن يمر عبر “فلتر إنساني”

كيف يُسمح لشخص مجهول الخلفية أن يجلس مع أطفال لساعات يوميًا؟
كيف لا يخضع لاختبار نفسي؟
كيف لا تُراجع سجلاته السابقة؟
كيف لا يدرس — وجوبًا — موادًا في:

حماية الطفل

فهم الصدمات

الحدود الشخصية

الإبلاغ عن الانتهاكات

المعلم بلا تدريب أخلاقي ليس معلّمًا…
بل خطرًا محتملًا.

سادسًا: التربية الجنسية الوقائية… ضرورة لا رفاهية

ليست دعوة للفجور كما سيصرخ البعض، بل تعليم بسيط:
هذا جسدك،
وهذه حدودك،
وهذه اللمسات غير المقبولة،
وهذه قواعد الخصوصية.

الطفل الذي يفهم جسده… لن يُخدع بسهولة.

سابعًا: نحتاج إلى “هيئة وطنية مستقلة” تراقب المدارس الدولية والخاصة

بعيدًا عن نفوذ المُلّاك وتجمّلات الإدارات.

هيئة تملك:

الحق في التفتيش المفاجئ.

الحق في الاطلاع على ملفات العاملين.

حق تعليق الترخيص فورًا عند أي إخلال.

سلطة إحالة المدراء والموظفين للمساءلة الجنائية.

من دون رقابة استقلالية، ستبقى المدارس الدولية “جزرًا سيادية” داخل الدولة.

ثامنًا: الأسرة ليست متفرجًا… بل خط الدفاع الأول

على الأهل أن يفسحوا لأطفالهم مساحة قول الحقيقة دون تخويف أو تردد.
أن يتعلموا الإصغاء، والتفريق بين القلق الطبيعي وبين صرخة استغاثة.
أن يصدقوا الطفل… لأن الطفل لا يختلق قصصًا كهذه.

المعركة تبدأ في البيت… لا في النيابة.

تاسعًا: نفسية الطفل ليست رفاهية… بل إنقاذ

كل طفل تعرض لتحرش يحتاج علاجًا نفسيًا فوريًا.
الصمت يقتل.
والعلاج يبني.
والطفل الذي لا يُداوى اليوم… يصبح بالغًا كسيرًا غدًا.

عاشرًا: الإعلام… كفى مطاردة للضحايا

الإعلام الذي يلهث وراء الفيديوهات والتفاصيل الرخيصة لا يؤدي دورًا وطنيًا.
دوره الحقيقي هو الضغط لتغيير القانون…
وفتح ملف الرقابة…
لا فتح جروح الأطفال على الهواء.

خاتمة غاضبة تستحق أن تُكتب باللون الأحمر

إن ما يحدث ليس حادثًا، ولا شذوذًا، ولا سوء حظ.
إنه فشل أخلاقي واجتماعي وتربوي.
وإذا لم يُعالج الآن — بقرارات حاسمة وتشريعات رادعة — فسنجد أنفسنا أمام جيل كامل يشعر بأن المدرسة مكان خطر، وأن الصمت أسهل من النجاة.

هذه القضية ليست قضية أهالٍ فقط…
وليست قضية إدارة فقط…
بل قضية وطن كامل.

وطنٌ ينهار حين يُهان أطفاله.
وطنٌ يُغتصب حين يُغتصب صمت صغاره.
وطنٌ لا ينهض إلا حين يعرف أن الطفل ليس مجرد طالب… بل خط أحمر

مقالات الرأي

آخر الأخبار