السبت، 27 يوليو 2024 04:29 مـ
بوابة المصريين

رئيس الحزب د. حسين ابو العطا

مقالات الرأي

ليلي حسين تكتب: ” هات شاى يا بندق .. ”

ليلي حسين
ليلي حسين

قديما لم يكن جلوس السيدات و البنات فى المقاهى مألوفا .. كان و مازال المقهى مفرا من متاعب الحياة و مكانا ينفرد فيه الفرد بقلمه و جريدته وكوب شاى " صعيدى بحت فى الخمسينة ..
القهوة كانت ملجأ و متنفسا بعيدا عن صخب الصغار و مهربا من شكوى و تذمر زوجة مطحونة .. المقهى إستراحة قصيرة لعامل فقير و التقاط أنفاس ليسد رمقه بلقيمات متواضعة ..القهوة ملتقى الأصحاب و تبادل النقاش و الفكر فى السياسة و الأدب و
الفن .. و المقهى " تليسكوب " لرصد حركة و تطور و ظروف المجتمع اجتماعيا و سيكلوجيا و اقتصاديا ..
فى اواخر السبعينيات دفعتنى الظروف لعمل مؤقت بالصعيد فى مجال البحث الميدانى و ما أدراك ما الصعيد .. كان له تقاليده الصارمة و اسواره العالية المنغلقة .. كان العمل مرهقا جدا يتطلب منى دق الأبواب .. إعراض و صدود .. والطامة الكبرى
البيوت الطيبة مغلقة و العقول أيضا .. و يستنكرون غربتى ..
بمفردى فى بلدان الصعيد و نجوعها و كفورها .. رغم ان كل القلوب على فطرتها الطيبة ..
احتاج كوب شاى و احتاج طعام .. لم يكن هناك حلولا بديلة غير شراء خبز و جبن و اللجوء لأى مقعد فى اى مقهى بلدى متواضع جدا جدا .. و احتسى كوب الشاى الداكن جدا " و تستريح قدماى من عناء السير و التخبط الفكرى و الاجتماعى و كم التناقضات التى تضمها حقيبة اوراقى ..
و كأنى أفعل عملا شانئا بجلوسى فى ركن المقهى .. انا البنت الوحيدة .. تتوجه الأنظار إلىَّ .. اتظاهر بالتجاهل و كل كيانى
يرتعد .. لم يتفضل احد بالتدخل فى شانى و امرى .. لكنهم اعتادوا تواجدى على مدى اسبوعين حظيت بإلقاء السلام و انطباعاتهم المتباينة .. فى القاهرة الفاطمية ادمنت الجلوس فى المقاهى مع زملائى للتشاور فى إنجاز بعض الأعمال ..
اصبح لمقاهى الحسين فى قلبى حب و مساحة هوى ..
كنت اطلب ذلك كثيرا من الرجل الذى رافقنى رحلة الحياة و كان يتحمل شطحاتى و جنونى خصوصا ايام الموالد .. المديح و الدفوف و التنورة و اللصوص و الجياع .. أدمنت مشاهدة و متابعة ملامح البشر و اهل القاهرة الحقيقية اللاذعة الطيبة و
الرضى ..
ادمنت الوقوف طويلا امام محلات الفضة و الأحجار الكريمة و مشغولات النحاس و الصدف .. أحاور أعناق المآذن بشغف .. بيننا حوار يغازل السماء ..
من زاويتى فى مقهى الحسين التقط خلسة صور أبيض و أسود للملامح الصامدة المجهدة .. تتخلل مسامى رائحة البخور المختلط باللُبان المر و تتأرجح مشاعرى على سلم المساحات المحصورة بين سواد اللقطة و أبيضها .. و كنت على يقين تام بان القلوب ناصعة البراءة و البياض ..
هى القاهرة .. و معظم شوارعها تحولت إلى مقاهى ...
السيدات تنافس الرجال فى شرب الشيشة .. الكل ينفث دخان وجعه و مشاعره و فكره .. ألام البطالة المفزعة و كثيرا من التلوث فى سماء المحروسة .. .. و انا فى ركنى التليد أمتشق قلمى الأسود لتدفق عباراتى علها تحاصر العالم النقى الأنيق ..
" انا فى نفس الزمان و نفس المكان .. انا هنا .. أحبك .. أحبك جدا مثلما أعشق صلاح الدين .. المؤيد .. المعتضد .. خان الخليلى .. الخيامية .. الأزهر و الحسين .. الخارطة لم تتغير داخلى .. أنتظرك " .....

ليلي حسين هات شاى يا بندق

مقالات الرأي