هشام بيومي يكتب: من البدايات المتواضعة إلى قمة الصناعة العالمية


في وقتٍ تتسارع فيه التحديات وتشتد المنافسة، يبقى النجاح حلمًا يداعب خيال كل شاب طموح. لكن النجاح لا يأتي صدفة، بل هو نتاج إرادة، إصرار، ورؤية واضحة. وقصة رجل الصناعة الراحل محمد فريد خميس تُعد مثالًا حيًا على أن الحلم ممكن، مهما كانت البداية متواضعة. فهو شاب من بيئة بسيطة، لم يرث الثروة ولا النفوذ، لكنه صنع لنفسه اسمًا يُضيء في سماء الاقتصاد المصري والعالمي. فلتكن قصته دافعًا لكل شاب يبحث عن فرصة، ويؤمن بأن بالعلم والعمل يُمكن بناء المجد من الصفر.
وُلد محمد فريد خميس في 14 أبريل 1940 بمدينة بيلا بمحافظة كفر الشيخ. نشأ في بيئة بسيطة، لكن طموحه تجاوز حدود الإمكانيات المتاحة له. التحق بكلية التجارة بجامعة عين شمس، وتخرج عام 1961، ثم أكمل دراسات عليا متخصصة في صناعة النسيج بالولايات المتحدة، ليضع بذلك أولى لبنات مسيرته المهنية المتفردة.
بدأ خميس حياته العملية موظفًا في البنك الأهلي المصري لمدة ست سنوات، لكنه كان يرى في نفسه طاقة أكبر لا يمكن حصرها داخل المكاتب. سافر إلى الكويت ثم أمريكا ليعمل في قطاع صناعة وتجارة المنسوجات، فاكتسب خبرات واسعة ومهارات إدارية وتقنية أهلته للعودة إلى مصر وهو يحمل حلمًا كبيرًا.
في عام 1979، أسس خميس شركة "النساجون الشرقيون" بمدينة العاشر من رمضان، التي تحولت خلال عقود قليلة إلى واحدة من أكبر شركات صناعة السجاد في العالم. اعتمد على التحديث التكنولوجي، وتدريب الكوادر، وفتح أسواق التصدير في أكثر من 130 دولة. أصبحت الشركة رمزًا للنجاح الصناعي المصري وقدرته على المنافسة العالمية.
لم يتوقف طموح خميس عند صناعة السجاد، بل توسع ليؤسس شركات في مجالات البتروكيماويات والعقارات والتعليم، مثل "الشرقيون للبتروكيماويات" و"الشرقيون للتنمية العمرانية"، مما ساهم في خلق آلاف فرص العمل وتحفيز النمو الاقتصادي. وكان يؤمن بدور القطاع الخاص في دعم الاقتصاد الوطني، ويُعرف عنه تبنيه لسياسات تدفع باتجاه التصنيع المحلي وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
إلى جانب مشاريعه الاقتصادية، أولى خميس اهتمامًا كبيرًا بالتعليم والتنمية البشرية. أسس الجامعة البريطانية في مصر وأكاديمية الشروق، كما دعم البحث العلمي من خلال مؤسسة محمد فريد خميس لتنمية المجتمع، التي ترعى الطلاب المتفوقين وتوفر منحًا داخلية وخارجية.
شغل خميس عدة مناصب مؤثرة، منها رئيس الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين، ورئيس لجنة الصناعة والطاقة بمجلس الشورى، وعضو المجلس الأعلى للاستثمار. كان يُعرف بآرائه الجريئة في دعم الصناعة، وكان صوتًا وطنيًا في كل محفل اقتصادي.
توفي محمد فريد خميس في 19 سبتمبر 2020 خلال رحلة علاجية في الولايات المتحدة، لكن إرثه لا يزال حيًا. تولت ابنته ياسمين خميس قيادة "النساجون الشرقيون"، ثم باعت هي وشقيقتها حصصهما في صفقة كبرى، إلا أن تأثير محمد فريد خميس سيظل محفورًا في ذاكرة الصناعة المصرية.
قصة محمد فريد خميس ليست مجرد قصة نجاح فردي، بل هي شهادة على أن الطموح والعمل الجاد يمكن أن يصنعا المعجزات. هو مثال لرائد أعمال لم يرضَ إلا بالقمة، فكان رمزًا للعزيمة، ومصدر إلهام لكل من يطمح لبناء مستقبل من الصفر.