السبت، 19 يوليو 2025 06:17 مـ
بوابة المصريين

رئيس الحزب د. حسين ابو العطا

مقالات الرأي

فيفيان سمير تكتب ..خلف بلور الخلود سبايا بيولوجيون

فيفيان سمير
فيفيان سمير

في غرفة معتمة بضواحي شانغهاي، تتنفس الآلات إيقاعا غريبا. خطوط حمراء تتلوّى على شاشات زرقاء كأوردة شبحية، وأكياس بلورية تسبح فيها أجنة بشرية كأسماك في أحواض زجاجية، بين مخالب روبوتات متعانقة كحيات هائلة، لتفتح أبواب زمن جديد، لتتحول المعجزة إلى كابوس يتسلل إلى صميم إنسانيتنا، عصر حمل الروبوتات حيث تصبح الحياة البشرية سلعة قابلة للتصميم، والتخزين، والاستبدال.
لسنا أمام خطر التكنولوجيا نفسها، بل أمام انهيار الحدود الفاصلة بين الصنع والخلق. ها هو عالمنا ينزلق نحو هاوية أخلاقية حيث تُختزل الحياة في باركود، وتُباع الطفولة في سوق السبايا الحديثة. تقارير اليونسكو تهمس في الظلام أن 12% من شركات التكنولوجيا الحيوية تعرض خدماتا "غير أخلاقية"، لتصنيع أطفال حسب الطلب. تقارير الإنتربول تفضح عصابات تسرق البويضات والحيوانات المنوية كقطع غيار أولية لسوق سوداء تبلغ قيمتها 3.8 مليار دولار، سوق تزدهر في ظلام القوانين الغائبة، ولا نعلم هل هي غائبة عن عمد أم هو قسور. ليس مجرد بيع أطفال، بل بيع "نماذج بشرية" بمواصفات محددة، بعضها مُعد للرياضة القاسية مُصمم لتحمل الألم، وبعضها الآخر يحمل جينات واقية من الخرف كضمانة لطول العمر. وعلى جانب آخر، يتحول الحلم بالخلود إلى كابوس. شركات مثل "إيترنال كلاون" في سويسرا تقدم للأثرياء حزما لاستنساخ أطفالهم الراحلين، ليتحول الحزن إلى تجارة والحب إلى تزوير هوية. لكن المأساة تتجاوز الاستنساخ، تسريبات مختبرات كوريا الشمالية تكشف عن "مشروع 7-9-5"، الذي يعمل على إنتاج أجنة معدلة بعيون ترى في الظلام، وقلوب تتحمل الإجهاد، وأجساد مجردة من المشاعر، نماذج بشرية خالية من الإنسانية. هذه النماذج ليست للبيع، بل للاستخدام العسكري كقطع غيار بشرية لجنود لا يخشون الموت، وكأن التاريخ يعيد إنتاج أسطورة فرانكشتاين بأدوات القرن الحادي والعشرين.
الربط الخفي هنا مرعب، فبينما بعض العلماء (مثل أوبري دي غري) يتوقعون أن أول إنسان سيعيش 1000 عام قد وُلد بالفعل، فإن حاضنات الروبوتات تنتج "قطع الغيار" البيولوجية للهروب من الموت. طفل يُصنع ليقدم كبدا أو قلبا لوالده الشيخ أو لأخيه المريض، جنين يُعدل جينيا ليكون بنك أعضاء متنقلا، وأطفال بديلين لأثرياء يخافون الموت. تقارير منظمة حظر الأسلحة البيولوجية تؤكد أن خمس جيوش عالمية تختبر هذه النماذج. هل نحن أمام ميلاد طبقة بشرية "استهلاكية"؟ أطفال باركود تُحدد صلاحيتهم بتاريخ انتهاء، كسلعة في السوبر ماركت.
منذ وعينا كنا نسمع دائما أن الأب أو الأم، لا يتمنوا لإنسان على وجه الأرض أن يكون أفضل منهما، سوى الأبن أو الأبنة، أما اليوم، في هذا المشهد القاتم، عندما يصبح الطفل وسيلة لا غاية، تموت المشاعر وتختفي رابطة البنوة، ولم يعد السؤال "كيف نربي أطفالنا ليكونوا أفضل منا" بل "أي نموذج نشتري"، لتتسع الهوة بين البشر. دراسات مجلة ساينس تكشف أن 78% من آباء الأطفال المصممين جينيا يطلبون مواصفات جمالية وجينية محددة، بشرة فاتحة، عيونا زرقاء، وجين "APOE" الواقي من الخرف. هكذا تولد العنصرية بثوب جديد، عنصرية الجينات التي تمنح المولود تقرير جودة ملحق بشهادة الميلاد. وفي اليابان، تنهار الولادات الطبيعية إلى 0.4% بعد غزو حاضنات الروبوتات التي تنتج "إصدارات" أفضل، فبينما يشتري الأثرياء "إنسانا خارقا" معدا ليعش مائتي عام، يصبح أبناء الفقراء وقودا لآلة المتعة والمعاناة، كأنما القدرة على الشراء أصبحت تحدد مصير الإنسان. أرقام شبكة مكافحة الاتجار البشري تكشف أن سوق الأنسجة الجنينية المخصصة نمت 300% منذ 2023. وأن 40% من العملاء يطلبون تعديلات "تطيل صلاحية العضو" كما أن متوسط السعر لـ "الطفل البنك الحيوي" 6.4 مليون دولار.
وفي زاوية مظلمة من كاليفورنيا، يدير "ديريك فو" مختبرا تحت الأرض يصنع أجنة بخصائص نسيجية فريدة. شهادات ميلادهم مزورة، وسجلاتهم الطبية تشير إلى "أيتام متبرع بهم". تقول التسريبات: "الزبون يدفع مقابل ضمان توافق الأنسجة.. والباقي تفاصيل".
وسط هذه العاصفة التكنولوجية، تقف الإنسانية على حافة الهاوية. المعركة الحقيقية ليست ضد التكنولوجيا، بل حول سؤال جوهري، هل نريد عالما يصبح فيه الطفل سلعة، أن نحول الإنسان إلى تكنولوجيا؟
لا يزال "الخلود" حلمًا، يدفع البشرية إلى أقصى وأقسى حدود العلم؛ ففي هذا العالم الموازي، عندما تُختزل الحياة إلى شفرة جينية قابلة للتعديل، حيث تتحول الأرحام الاصطناعية إلى خطوط إنتاج، والأطفال إلى قطع غيار فاخرة، وتُقاس القيمة البشرية بمدة الصلاحية، حين نفقد جوهر وجودنا، يصرخ الضمير الأخلاقي هل سينجو الإنسان من الموت ليخسر إنسانيته؟ ربما تكون إجابة السؤال ليست "كيف نعيش للأبد" بل "كيف نعيش بشكل جيد؟"، كيف يكون للحياة معنى وليس مجرد طول العمر، حيث الخلود الحقيقي لا يُستزرع في مختبرات، فالروبوتات قد تحمل الأجنة، لكنها لن تحمل أبدا ذلك السر الغامض الذي لا يباع في أسواق الظل، بل يُورث في ذاكرة من يحبوننا عندما نغيب.

ويستمر السؤال "من المستفيد؟ ما هو الهدف الأبعد من السعي لإطالة العمر؟

وللحديث بقية....

مقالات الرأي