د. اميرة محمد تكتب: التواصل
بوابة المصريينإن التواصل من حيث اللغة هو الاقتران والاتصال والصلة والترابط والالتئام والجمع والإبلاغ والانتهاء والإعلام، وتعني إنشاء علاقة ترابط وإرسال وتبادل، وتوَاصلَ الصَّديقَانِ، أي واصلَ أَحدُهما الآخرَ فِي اتِّفَاق ووئام: اجْتمَعا، اتَّفَقا، وتواصَلَ الحديثُ حَوْلَ الْمَائِدَةِ: أي تَوَالَى، وتواصلتِ الأشياء، أي تتابعت ولم تنقطع
أما المعنى الاصطلاحي للتواصل هو عملية نقل للأفكار والتجارب وتبادل المعارف بين الأفراد والجماعات، وقد يكون التواصل ذاتياً بين الإنسان ونفسه أي حديث النفس، أو جماعياً بين الآخرين، وهو مبنيٌّ على الموافقة، أو المعارضة والاختلاف، كما ويُعدُّ جوهر العلاقات الإنسانيّة وهدف تطويرها؛ لذلك يوجد وظيفتان رئيسيتان للتواصل: وظيفة معرفيّة متمثلة في نقل الرموز الذهنيّة وتوصيلها بوسائل لغويّة، وغير لغويّة، ووظيفة وجدانيّة تقوم من خلال تقوية العلاقات الإنسانية.
ولو أردنا تبسيط معنى التواصل حسبما نستخدمه في حياتنا اليومية، فإن أبسط معنى للتواصل في رأيي المتواضع هو أن: -
التواصل هو الأداة التي يتعامل بها البشر مع بعضهم البعض في حياتهم اليومية، فالإنسان بطبيعته لا يستطيع العيش بدون تواصل، فمهما اختلفت الأشكال واللهجات، ومهما تنوعت القناعات والثقافات، ومهما تطورت وتخلفت الأمم، فهناك وسيلة لابد أن تجمع افراد الأمة الواحدة، أو حتى تجمع بين كل الأمم وبعضها البعض.
والتواصل قديما كان محدود أو قاصرا على كل مجتمع على حدى، إلا أنه لا يمكننا الجزم بأن التواصل بين المجتمعات وبعضها البعض كان غير موجود، فالمتتبع لتاريخ الحضارات القديمة، لوجد نوع من التواصل بين تلك الحضارات وجيرانها، وإن كان يغلب على ذلك التواصل الطابع الاقتصادي كالتبادل التجاري، مثل جلب المصريين القدماء البخور والعاج.... من بلاد بونت (الصومال )حاليا أثناء فترة حكم الملكة حتشبسوت، وفي فترة التاريخ الوسيط، الذي انتشر وازدهر فيه الإسلام، جاب فيه التجار المسلمون الأرض فكانوا على اتصال وتواصل بالمجتمعات المختلفة؛ فأثروا فيهم وتأثروا بهم؛ فامتزجت التقاليد واختلفت اللهجات، ولا يمكننا اعتبار هذا كله أمر سيء بشكل كامل ، فهناك اشياء حميدة دخلت مجتمعنا العربي ، مثل إنشاء الدواوين (الوزارات)، الذي أنشأت ولأول مرة في عهد خلافة سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، كذلك زاد وانتشر التواصل داخل المجتمع العربي، وظهر ذلك في معظم الأقاليم التي دخلها الإسلام، إذ استقرت بعض القبائل العربية في تلك الأقاليم حاملة معها عاداتها وتقاليدها، التي لا شك أنها امتزجت مع عادات وتقاليد تلك الأقاليم إيجابا وسلبا.
لكن التواصل وقتنا الحالي اصبح اكثر تطورا وبأقل جهد، بل يقوم به كلا منا وهو جالس على اريكته، دون الحاجه لتنقل وترحال، فاصبح تواصلنا بضغطة زر، فكلا منا يسافر لأقاليم ويتعامل مع افراد من مجتمعات ربما لم يكن يتخيل يوما ما أن تلك المجتمعات موجودة بالفعل ، ولا ابالغ في ذلك، لكن هذا التواصل حقا وفر الوقت والجهد وقلل التكاليف التي انت تنفق في السفر لإقليم أو لبلد ما، بل ويسر كثيرا على الباحثين والدارسين وغيرهم، إلا أن سهولة وسلاسة ذلك التواصل ربما بات يشكل أمر مخيف في ظني المتواضع، فلا مكان للخصوصية بات موجود، ولا اعتراف للقيم بات معهود،.
وليس معنى كلامي هذا أنني ضد التواصل والاتصال بين المجتمعات وبعضها البعض، بل ما اردت قوله هو أننا بحاجه لترويض التواصل بما يتلاءم ومجتمعاتنا؛ كي لا نتحول لقطعان اغنام تقودها رعاة ابقار باتت لهم السيادة على العالم.